الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين و بعد: فهذه الحلقة الثالثة من مقالنا الذي بعنوان " احذروا هذه المداخل الحزبية من خلال بعض القواعد السلفية ".
** أخذ العلم والدين عن الأكابر **
التماس العلم والدين عند الأكابر إن كانوا متوافرين هذا هو الأصل عند أهل السنة، لا يتمارى فيه اثنان، فعن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قال- رسول الله صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- :«البركة مع أكابركم »[صححه العلامة الكبير ناصر الدين الألباني في " الصحيحة "( 1778)] .
** قال عبد الله بن المبارك:« لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم وعن أمنائهم، فإذا أخذوا من صغارهم وشرارهم هلكوا »[" أخرجه ابن عدي في الكامل (1/157) والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى (217رقم275) ] .
وكلام أهل العلم و وصاياهم بأخذ العلم والدين عن الكبار أشهر من أن يُذكر .
إلا أن أهل التُّحزُّب والهوى قد حاولوا بمكرهم استغلال هذه المسألة، حمايةً لأنفسهم من نقد مشايخ السنة لهم ، فأسقطوا جرحهم لهم،- ولمن هم على شاكلتهم- القائم على الحجج والبراهين، بحجة أنهم ليسوا من العلماء الكبار!! فلا يؤخذ بجرحهم و تحذيراتهم .
وبمثل هذه الشبهة حاول الحدادي فالح الحربي التنصلَ من جرح أهل السنة له، وإسقاطه .
قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله:« وفالح لمَّا ذكر النجمي وزيداً ومحمد هادي وغيرهم طعن فيهم وأخرجهم من زمرة العلماء؛ لأنَّهم ليسوا في هيئة كبار العلماء!!.. .- ما شاء الله- النَّجمي و زيد وفلان و فلان طردهم فالح من زمرة العلماء لماذا؟ لأنَّهم ليسوا من هيئة كبار العلماء ومعلوم أنَّ فالحًا لا يحترم هيئة كبار العلماء وغيرهم بل هو يطعن فيهم وهذا شيء متواتر عنه...يريد أن يجعل من مناصب هيئة كبار العلماء صَوْلجاناً لمطاردة علماء السنَّة الذين أدانوه بمخالفة منهج السلف، فأخرجهم بهذا الصولجان من زمرة العلماء،.. .
أنا أريد أن أسمِّي وأقول: فلان وفلان من تلاميذ الشيخ النَّجمي، كيف يقول إنَّ علماء الهيئة معتبرين والشيخ النَّجمي وإخوانه غير معتبرين؟!.. إنَّها لموازين حدادية فاسدة »[ انظر: "مجموعة كتب ورسائل الشيخ " (9/440-441) ].
** و قال الشيخ محمد بن عمر بازمول في رسالته "عبارات موهمة":« من العبارات الموهمة:
قول بعضهم: « هذا الشيخ ليس من العلماء الكبار ».
هذه الكلمة يرددها بعض الناس إذا أراد أن يرد كلاماً قاله أحد المشايخ، أو إذا أراد أن يصرف أحداً عن السماع لهذا الشيخ أو الأخذ منه؛ وخاصة فيما هو من باب إنكار المنكر والتحذير من البدع والتنبيه على الخطأ.
وهذا من الباطل، الذي هو من نفثات الشيطان، ليصرف عن السماع للحق أو قبوله، وهي كلمة مردودة من وجوه..
منها: أن هذه الكلمة أصبحت من معاول الهدم عند أهل البدع يردون بها كلام أهل السنة والجماعة، فكل عالم يحذر من بدعة يقعون فيها أو من خطإٍ يتجارون فيه، يدفع كلامه ويحذر منه بأنه ليس من العلماء الكبار؛ فينبغي مخالفة أهل البدع والحذر من مناهجهم التي يحاربون بها الحق وأهله.
و منها: أن معنى هذا الكلام أن لا حق في إنكار الخطأ الذي يقع فيه هؤلاء الذين يسمون بالدعاة، أفراداً أو جماعات إلا لمن كان عندهم من العلماء الكبار، وهذا غير صحيح..
و منها: أن العالم حينما يذكر لك بدعة أو خطأ وقع فيه هذا الرجل أو ذاك، فإنه يخبرك عن حاله، وخبر الثقة مقبول، إلا أن يعارضه خبر مثله، و لا يشترط في ذلك أن يكون الرجل من العلماء المشهورين أو أن يكون من العلماء الكبار، إذ هذا لم يذكره الأئمة في شروط قبول الخبر! فالقول به خروج عن ما قرره أهل العلم!
و منها: أن واقع حال قائل هذه الكلمة يدل على أنه يريد فقط تقرير البدعة وترك إنكارها، لأنك حتى لو جئت له بكلام أهل العلم الكبار في رد هذا البدعة، أو هذه المقالة الباطلة، أو في توضيح خطأ هذا الرجل أو ذاك، لرده أيضاً ولكن بمقولة أخرى كأن يقول:
يا أخي هذا الشيخ يؤثر عليه الذين حوله، أو يا أخي لا تفتشوا عن عقائد الناس وأخطائهم، أو يا أخي إسقاط الرموز أمر ليس بالهين، أو أنا غير ملزم بكلام هذا الشيخ، أو نحو هذه العبارات؛ والنتيجة أن يستمر الباطل وتستمر الدعوة إلى هذا الشخص وبدعته، ويمرر دعاة الباطل ويلمعون على حساب السنة وأهلها » .
** لا تقل بقول ليس لك فيه سلف **
منهج أهل السنة قائمٌ على الاتباع لا الابتداع، ومن هنا قالوا: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام، أو تقول بقول في الدين لم تُسبق إليه، فإنه يسعك ما وسع السلف .
سُئل العلامة ربيع المدخلي حفظه الله وجعل الجنة مثواه: هل يشترط لكل مسألة سلف، نرجو التفصيل؟
فأجاب:« نعم، هذا الأصل في أمور الدين أنه لابد من سلف في أمور العقيدة، وأمور المنهج، لابد من سلف، وكلام الإمام أحمد رحمه الله في هذا مشهور: « إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام »[انظر: "مجموعة كتب ورسائل الشيخ " (15/28)].
** ومن مكر أهل التحزب والهوى وخديعتهم لمن يثق فيهم تظاهرهم بالسير على هذا الأصل السلفي، وبأنهم لا يخرجون عن أقوال العلماء، ولا يقولون إلا بقول سُبقوا إليه، ويُلبِّسون على الناس بأنهم مسبوقون بفلانٍ وفلانٍ من العلماء، فيما ذهبوا إليه، فيجعلون زلَّات بعض العلماء في الثناء على بعض أهل البدع حجة لهم في الدفاع عنهم والتعصب لهم، و رفض جرح من جرحهم من علماء السنة .
كما أنهم يجعلون سكوت بعض العلماء وعدم تبديعهم لبعض الحزبيين حجةً لهم أيضًا في عدم تبديعهم، بل والأخذ عنهم، مع أنه قد بُدِّعوا من قبل غيرهم من علماء السنة ومشايخها، وهم في كلِّ هذا يتلاعبون بعقول الناس ويدَّعون أنهم مسبوقون إلى مثل هذه المواقف، وبأنَّ لهم سلفًا فيها، دفعًا لإنكار أهل السنة عليهم، وتمترسًا منهم بزلات العلماء .
قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله: « ويجب أن يعلم علماؤنا الأفاضل أن لأهل الأهواء والتحزب أساليب رهيبة لاحتواء الشباب، والتسلط والسيطرة على عقولهم، ولإحباط جهود المناضلين في الساحة عن المنهج السلفي وأهله.
من تلكم الأساليب الماكرة: استغلال سكوت بعض العلماء عن فلان و فلان، ولو كان من أضل الناس، فلو قدم الناقدون أقوى الحجج على بدعه وضلاله فيكفي عند هؤلاء المغالطين لهدم جهود المناضلين الناصحين: التساؤل أمام الجهلة؟ فما بال فلان وفلان من العلماء سكتوا عن فلان وفلان؟! و لو كان فلان على ضلال لما سكتوا عن ضلاله؟! وهكذا يلبسون على الدَّهمَاء ؛ بل وكثير من المثقفين .
وغالب الناس لا يعرفون قواعد الشريعة ولا أصولها التي منها: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفايات، فإذا قام به البعض سقط عن الباقين.
ومن أساليبهم: انتزاع التزكيات من بعض العلماء لأناس تدينهم مؤلفاتـهم ومواقفهم ونشاطهم بالبعد عن المنهج السلفي، ومنابذة أهله وموالاة خصومه وأمور أخرى .
ومعظم الناس لا يعرفون قواعد الجرح والتعديل، وأن الجرح المفصل مقدم على التعديل؛ لأن المعدل يبني على الظاهر وعلى حسن الظن، والجارح يبني على العلم والواقع، كما هو معلوم عند أئمة الجرح والتعديل.
وبـهذين الأسلوبين وغيرهما، يحبطون جهود الناصحين ونضال المناضلين بكل سهولة ويحتوون دهماء الناس بل كثير من المثقفين، ويجعلون منهم جنودًا لمحاربة المنهج السلفي وأهله والذب عن أئمة البدع والضلال.
وما أشد ما يعاني السلفيون من هاتين الثغرتين التي يجب على العلماء سدهما بقوة وحسم لما ترتب عليها من المضار والأخطار »[ انظر: كتاب "«الحد الفاصل بين الحق والباطل »" (ص170) ] .
** وقال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله في سياق رده لأباطيل المأربي أبي الحسن، الذي كان ممن يستخدم هذا الأسلوب الحزبي:« والحقيقة أن الرجل يخفي شرًّا عظيمًا من وراء هذه الفقرة، إنه يريد بها: أنه إذا وقع في باطل، أن يذهب تحت ستارها يبحث وينقب عن هفوات وأخطاء بعض العلماء فإذا وجد ما يشبه باطله من كلامهم فرح به مهما ابتعد عن الحق والصواب، وذهب يصول به ويجول على من ينتقد أخطاءه ولو كان معه الحجج الواضحة والبراهين الساطعة ولو كان معه الصحابة والتابعون وأهل السنة أجمعون .
إن هذه الفتنة قد أعدَّ لها أبو الحسن العدة ومنها ما يخفيه من وراء هذه القاعدة من الشر.. سائراً في كل ذلك خلف من ذكرنا، وتحت ستار المصلحة وتحت ستار: قد سبقني إلى ذلك فلان وفلان، تاركاً للعلماء ولأدلتهم من الكتاب والسنة الواضحة وأقوالهم الصحيحة الراجحة التي لا تقيم لقيوده وزناً.. .
ومتستِّرًا وراء بعض هذه العبارات التي صدرت ممن يحارب هذا المذهب الفاسد كعادته في تصيد الزلات ليدعم بها الضلالات »[ انظر: "مجموعة كتب ورسائل الشيخ " (13/452-453) ] .
** و قال الشيخ ربيع حفظه الله:« هذه سبع مسائل تمت مناقشة أبي الحسن فيها جعلتها نموذجاً لمسائل كثيرة لم أناقشها..
دع عنك التركيز على التشويه الظالم ومحاولة إسقاط علماء السنة.. ثم سيره على أصول فاسدة في حربه لأهل السنة سبقت مناقشتها في غير هذا البحث وله في اللجاج أصول جديدة :
مثل أصله: « وقد سبقني إلى هذا فلان » .
« وقد مر ذلك على الشيخ ربيع وغيره ولم ينتقدوه »
قال هذا في مماحكته لابن عثيمين .
« ووقف فلان وفلان على كلامي هذا ولم ينتقداه » .
« وقد اطلع على كلامي هذا العلماء ولم ينتقدوه » .
يقول مثل هذه المقالات لرد الحق، سواء ناقشه ربيع أو المفتي أو الشيخ محمد بن صالح العثيمين، ويجعل مثل هذه الأقوال المتهافتة حججاً يقاوم بها من ينتقده بحق.
وكل هذا مع دعاواه العريضة هو وشيعته، بأنهم لا يقلدون وأنهم أصحاب الدليل..و يتشبَّثُون بالأقوال الباطلة تحت ستار: سبقني فلان ..إلخ، وهذا من شر أنواع التقليد المذموم الذي لا يصدر إلا عن تلاعب وسوء مقاصد »[ انظر: "المرجع السابق" (13/537-538) ] .
** الدعوة إلى الاجتماع و نبذ الفرقة **
* الدعوة إلى الاعتصام بالكتاب والسنة و الاجتماع عليهما، و نبذ الفرقة والخلاف، والقضاء على أسبابهما، يعتبر من أصول الدعوة إلى الله، عند أهل السنة والجماعة .
وأدلة هذا الأصل من الكتاب والسنة وأقوال السلف، لا تكاد تحصى كثرة .
ومن تلبيسات أهل التحزب: تظاهرهم بالدعوة إلى هذا المقصد الشريف، و العمل على جمع كلمة الأمة و السعي في توحيد صفوفها، لكن على ماذا؟ هل على الحق والهدى كما هو حال أهل السنة؟ كلَّا؛ بل لا همَّ لهم إلا مجرد اللفلفة والتجميع، ولو على حساب الحق، ولو مع تناقض العقائد والمناهج وتنافر القلوب.
ومن أجل ذلك أصلوا الأصول الفاسدة، وقعَّدا القواعد الكاسدة ومنها قولهم: « نتعاون في ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه »، .
وانطلاقا من هذه القاعدة دعوا إلى التآخي بين جميع المسلمين سنيهم وبدعيهم، وأقاموا المؤتمرات للتقريب بين السنة والشيعة، كما أنهم أعرضوا عن الدعوة إلى التوحيد بدعوى أنها تفرق المسلمين، و بنفس هذه الحجة اعترضوا على أهل السنة وأنكروا عليهم قيامهم بواجب النصح والرد على المخالفين، حفاظًا على وحدة الأمة واجتماعها بزعمهم، إلى غير ذلك من المقاصد الباطلة التي يُخفونها وراء هذا الشعار، و يدسونها خلف هذا الأصل .
قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله:« إن الأحزاب السياسية المعاصرة بما فيهم الإخوان المسلمون وفصائلهم، والفرق الضالة بما فيهم جماعة التبليغ يريدون أن يبقى هذا الظلام مخيما في العالم الإسلامي مطبقا عليه لا يحركون ساكنًا ضده وليس لهم إرادة في تبديده، وليس لهم نهج يدفعهم إلى إزاحته وإحلال التوحيد ونور الكتاب والسنة بديلاً عنه، فهم يحافظون على هذا الظلام ولا سيما ظلام الرفض والتصوف بحجة أنهم يحاربون أعداء الإسلام وهم ليسوا كذلك وبحجة «نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه »، وبحجة تجميع المسلمين بما فيهم الروافض ومن غلاة الصوفية لمواجهة أعداء الإسلام »[نقلا عن مقال: نور السنة والتوحيد عند أهل الحديث، وظلمات البدع والأهواء تخيم على غيرهم ] .
** التزام الحكمة في الدعوة إلى الله **
التزام الحكمة في الدعوة إلى الله أمرٌ مطلوب، وهو أصلٌ من أصول الدعوة عند أهل السنة والجماعة، استنادًا منهم إلى قوله تعالى: ( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) .
وقد بين الإمام ابن القيِّم –رحمه الله- معنى الحكمة في الدعوة إلى الله كما في كتابه [مدارج السالكين(2/499)] بكلامٍ مختصرٍ جميلٍ حيث قال : «فالحكمة إذاً فعلُ ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي »انتهى .
ومن ذلك وضع اللِّين في وضعه، و وضع الشِّدَّة في موضعها، و جدال من يستحق الجدال بالتي هي أحسن، والتحذير ممن يستحق أن يُحذَّر منه، إلى غير ذلك مما تقتضيه الحكمة في الدعوة إلى الله .
و قد تظاهر أهل التحزب باستخدام أسلوب الحكمة في دعوتهم، ونادوا به كثيرًا وكثيرًا، وأفرطوا من الدندنة حوله، وسمُّوا أنفسهم أهل الحكمة و الوسطية .
فما هي الحكمة المطلوبة في الدعوة إلى الله على مقاييس أهل التحزب إذًا؟
الجواب: هي اللِّين ثمَّ اللِّين ولو مع أعداء الحق و السنة .
الحكمة في اصطلاحهم المعوج هي المداهنة للمبطلين والمخالفين والسكوت عن أباطيلهم وضلالاتهم وعدم الإنكار عليهم، ومن هذا المنطلق اعتبروا شدةِ أهل السنة على أهل البدع وهجرهم و نقدهم و التحذير منهم منافٍ للحِكمة التي لم يفهموا منها إلا التمييع والمداهنة .
قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله:« في هذا العصر أناس ينتهجون المنهج السلفي؛ فيذهبون يسلكون مسالك السياسيين في التهويل والتمييع والمداهنات ويسمون هذا حكمة .
أو شدة تهلك المنهج السلفي وتأخذ بخناقه وتشوهه وتنفِّر الناس منه، فلا هذا ولا ذاك؛ وإنَّما الاعتدال هو الذي يؤتي ويعطي الدعوة السلفية الصورة اللائقة بها من جمالها وحسنها ويسرها وبعدها عن المنفرات.. .
ويفهم بعض الناس من التيسير أنَّه المداهنة فيسلكون طرق المداهنة، ويفهم من الحكمة التي أمر الله بها يفهم منها أنَّها هي المداهنة، والطرق السياسية التي تقتل الإسلام فلا هذا ولا ذاك »[ "مجموعة كتب ورسائل الشيخ"( 4/138-139)]
** مراعاة مصلحة الدعوة **
مراعاة مصالح الدعوة أمرٌ لازمٌ على الدعاة، إلا أن أهل التحزُّب قد اتخذوا من مصطلح « مراعاة مصالح الدعوة » طاغوتًا يُبرِّرون به ضلالاتهم وانحرافاتهم .
وفي بيان استغلال المبتدعة لهذا المصطلح، لابأس أن أنقل كلامًا مهمًّا للشيخ الفاضل محمد بن عمر بازمول من رسالته« عبارات موهمة »، حيث قال(ص13):« ومن هذه المقولات الموهمة:
قول بعضهم: « مصلحة الدعوة تقتضي ذلك ».
يقولون ذلك في مقامات يبررون فيها مخالفتهم لشرع الله تعالى، والخروج عن سنته صلى الله عليه وسلم، فصارت هذه الكلمة طاغوتاً يبرر لهم المخالفات الشرعية!
وهذه الكلمة إذا استعملت في محلها بحسب الشرع لا بأس، أمّا إذا استعملت تبريراً للخروج عن الشرع، فإنها تؤول إلى القاعدة الميكافيلية: « الغاية تبرر الوسيلة»
كيف يكون من مصلحة الدعوة مخالفتها؟ وهل يصح أن يقول مسلم: أنا أسرق لأتصدق؟! الجواب: لا يصح ذلك؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.
ويكرر بعض المشتغلين بالدعوة كلمة (مصلحة الدعوة)، وقد يتخذها بعضهم
سُلّماً يتوصل به إلى تحقيق أهداف أو تصورات فردية له، أو أهداف لجماعة أو حزب ينتمي إليه، فيتوصل باسم الدعوة إلى ذلك!
والحقيقة إن مصلحة الدعوة محكومة بالشرع، وإهدار الشرع في ذلك هو إهدار للدعوة، ووقوع في مستنقع النفعية، حيث تكون الغاية تبرر الوسيلة!
ولذلك ضبط العلماء المصلحة المعتبرة شرعاً، بأنها المندرجة تحت مقاصد الشرع، ولا تعارض الكتاب والسنة، والقياس الصحيح، ولا تفوت مصلحة أهم منها!
فهل يصح أن يقال: يجوز الكذب والغيبة والنميمة لمصلحة الدعوة؟!
هل يجوز أن تؤكل أموال الناس بالباطل بدعوى مصلحة الدعوة؟!
هل يصح أن تزيف الحقائق ويكتم الحق بدعوى مصلحة الدعوة؟!
سبحان الله!! كيف يستقيم الظل والعود أعوج؟!.. مصلحة الدعوة هي في تطبيق الشرع.. ومراعاة المصلحة من الدين، بل إن مقاصد الشرع تدور على جلب المصالح ودفع المفاسد، ولكن إذا لم يكن الداعية مقيداً نفسه بشرع الله، فإن ضابط المصلحة عنده يصيبه من الخلل ما الله به عليم، فيعود لا يرى مصلحة إلا في حدود ذاته وتحقيق الرياسة لها، أو مصلحة جماعته أو تنظيمه الذي ينتمي إليه، وصار ولاؤه لغير الله ورسوله من حيث لا يشعر!
أمّا أن يأتي الشخص لأمر فيه تحقيق مصلحة لنفسه أو لجماعته أو لمن يحب، فيقول: هذا من مصلحة الدعوة، فلا! »انتهى .
يتبع..بإذن الله .
http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=16259