السبت، 17 سبتمبر 2016

احذروا هذه المداخل الحزبية من خلال بعض القواعد السلفية (الحلقة الثانية)




الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين و بعد: فهذه الحلقة الثانية من مقالنا الذي بعنوان " احذروا هذه المداخل الحزبية من خلال بعض القواعد السلفية " .
ونستهله بعون الله بمسألة:
** الترحم على أهل البدع والصلاة عليهم **

الترحم على أهل البدع جائزٌ عند أهل السنة، وكذا الصلاة عليهم ما دام أنهم في دائرة الإسلام، ولا يتنافى ذلك مع هجرهم وتحذير الناس منهم .
سُئل العلامة – الربيع - بن هادي المدخلي حفظه الله: هل يجوز الترحم على أهل البدع؟
فأجاب وفقه الله:« أما الترحم على أهل البدع؛ فإنه يجوز الترحم عليهم، وهذا شيء عليه السلف الصالح، ومنهم أحمد بن حنبل، ودل على ذلك نصوص من كتاب الله تبارك وتعالى ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم »[ انظر: " مجموعة كتب ورسائل الشيخ "(14/159) ] .
** إلا أن السلف قد استحبوا لمن كان عالمًا مُتَّبعًا مُقتدًى به بين الناس أن يترك الصلاة عليهم تأديبًا و زجرًا، وردعًا للناس عن مثل حالهم .
سئل العلامة ربيع السنة المدخلي حفظه الله: ما هو ضابط أهل السنة والجماعة في الصلاة على أهل البدع، وهل يجوز الترحم عليهم؟
فقال:« السلف إذا درست كتبهم تراهم في الأمور الظاهرة، إذا وقع الإنسان مثلًا في القول بخلق القرآن، أو عطل صفات الله، الأمور الظاهرة، إذا وقع فيها فإن السلف يبدعونه، ويشددون في ذلك إلى حد التكفير .
أما قضية الترحم؛ يرون الصلاة على أهل القبلة جميعًا، ما داموا من أهل القبلة، ويصلون إلى هذه القبلة، هذا كثير وموجود في كتب السلف، والصلاة ترحم عليهم، لكن إذا كان هناك إمام متَّبَع فله أن لا يصلي على هذا المبتدع حتى يعرف الناس حقارة البدعة، وأما سائر الناس فلهم أن يصلو على هذا المبتدع؛ بل يجب عليهم؛ لأنه من فروض الكفايات أن يصلوا على هذا المسلم ولو كان مبتدعًا، ولهم أن يترحموا عليه، وإذا كان هناك إنسان متبع ويريد أن يؤدبه فلا يترحم عليه، ولكن لا يُحرِّم الترحم ولا يمنع منه »[ انظر: "المرجع السابق"(15/319) ] .
** وقد حاول أهل التحزُّب استغلال هذه المسألة، - بل استغلُّوها -، لتلميع أهل البدع والثناء عليهم وتمجيدهم، كما فعل أبو الحسن المأربي فيما نقله عنه العلامة ربيع المدخلي حفظه الله، حيث قال: « الحقيقة أن الإخوان المسلمين على يعني ما فيهم وما قدموه من أجل الدعوة إلى الله عز وجل، رحم الله أمواتنا وأمواتهم وأموات جميع المسلمين وأسأل الله أن ينزلهم منازل الشهداء ويرفعهم عنده سبحانه وتعالى في منازل عالية..» .
قال الشيخ ربيع أيَّده الله معلِّقًا على كلام أبي الحسن هذا:« الترحم على أهل البدع جائز عن أهل السنة وأنت تتكىء على هذا، لكن تطبيقك بهذه الحرارة والمبالغة ينبىء عن دوافع غير سلفية ، فأهل السنة الصادقون لا تجد عندهم هذه الروح ولا هذه المبالغات التي قد لا يقولونها في كبار أهل السنة »[ انظر: "المرجع السابق"(13/334-335) ] .
** ومن باب الفائدة- والشيء بالشيء يذكر: فإن الذين حرَّموا الترحم على أهل البدع، ومنعوا منه مطلقًا، هم الحدادية الغلاة، و قد عدَّ حامل راية الجرح والتعديل ذلك من علاماتهم وميزاتهم التي تميزوا بها واشتهروا بها بين الناس، فقال حفظه الله في مقال بعنوان: "صفات الحدادية" وذكر منها:
- تحريم الترحم على أهل البدع بإطلاق، لا فرق بين رافضي وقدري وجهمي وبين عالم وقع في بدعة .
- تبديع من يترحم على مثل أبي حنيفة والشوكاني وابن الجوزي وابن حجر والنووي...»[ انظر: "المرجع السابق"(9/470) ] .
** كلام الأقران يُطوى ولا يُروى **
هذه القاعدة عند أهل السنة ليست على إطلاقها، فإن كلام الأقران بعضهم في بعض إنما يُطوى ولا يُروى إذا لاح فيه البغي، وعُلم أنه ناتجٌ عن حسدٍ وتنافس وحظوظ النفس، فإن خلا من ذلك، وكان بدافع الديانة، فهو مقبول إن صدر من أهلٍ له، بأدلته.. .
** إلا أن أهل التحزُّب والهوى قد حاولوا التمترس بهذه القاعدة، والتسلل من خلالها لرد جرح علماء السنة في أهل البدع المؤيَّد بالحجج والبراهين، ، بدعوى أنه من كلام الأقران بعضهم في بعض، فلا يُؤخذ به, و يُطوى ولا يُروى .
وفي كشف ستر أهل التحزُّب وفضح مقاصدهم بهذه القاعدة يقول العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله مجيبًا على سؤال هذا نصُّه: ما تعريف الأقران في علم الحديث؟ و هل إذا طبقت قاعدة : كلام الأقران يطوى و لا يروى، أعددنا ذلك التطبيق طعنا في الشيخين؟
فكان مما أجاب به حفظه الله أن قال:«..كتب الجرح و التعديل مليئة بالأقران، فلو أخذنا بهذه القاعدة ما قدمنا شيئًا، فهذه يلبس بها أهل الباطل،...البعض يُلبِّسُون بها لإسقاط نقد أهل السنة في أهل البدع، فإذا كان واحد مبتدع ضال.. بذاته نقول هذا أقران،...وإلا ابن عثيمين على المالكي وأمثاله نقول.. أقران؟ كلام سخيف! بارك الله فيكم، ومن يتكلم في الخميني نقول أقران؟ ها.. من يتكلم في سيد قطب نقول أقران؟ وهو يسب الصحابة و يطعن في الأنبياء وإلخ ... .
على أن نقد العلماء لأمثالهم الأصل أنهم يأخذوه من الكتب بارك الله فيكم، قال فلان في الكتاب الفلاني في الصفحة الفلانية، يعني كلام مدلَّل مثبَّت موثق، كيف نقول هؤلاء الأقران يلغى كلامهم؟ ممن يسب أبو بكر و عمر مثلا، أو يسبّ عثمان، و أنقل كلامه، و أقدمه للناس تحذيرًا من كتابه و من شخصه أيضا، يُقال هذا كلام أقران؟ هذه كلها من تلبيسات أهل البدع و الضلال، و من التمييع أيضا في نفس الوقت ...»[ من " شريط سمعي" في موقع الشيخ حفظه الله في الكلام على فتنة فالح الحربي] .

** قبول الحق من كل من جاء به ورد الباطل على كل من قال به **

من تعظيم أهل السنة للحق أنهم يدورون معه حيث دار، ويقبلونه من كلِّ أحد لا لشيء إلا لأنه الحق، كما أنهم يرفضون الباطل والخطأ و لا يقبلونه و يردُّونه على قائله ومن جاء به كائنًا من كان، ولذا؛ تجدهم يعرفون الرجال بالحق، ولا يعرفون الحق بالرِّجال .
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله كما في "الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة "(2/516):« فمن هداه الله سبحانه إلى الأخذ بالحق حيث كان ومع من كان ولو كان مع من يبغضه ويعاديه، ورد الباطل مع من كان ولو كان مع من يحبه ويواليه، فهو ممن هُدي لما اختلف فيه من الحق، فهذا أعلم الناس وأهداهم سبيلا وأقومهم قيلا » .
وقال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله:« أهل السنة والحمد لله هم دائمًا يدورون مع الحق، ومع النصوص حيثما دارت » [ انظر كتاب الشيخ " قرة العينين بتوضيح معاني عقيدة الرَّازيين " (ص34) ]

** وهذه القاعدة السلفية قد حاول أهل التَّحزُّب التسللَ من خلالها والدخول من بابها، و سعوا لاستغلالها في الدِّعاية لأهل البدع والضلال، فطالبوا بمعاملة المبتدعة من منطلقها، وذلك بالجلوس إليهم والقراءة في كتبهم، وأخذ ما عندهم من الحق، وترك ما سواه من الباطل، بحجة أن « الحق يقبل من كل من جاء به » .
فلماذا إذًا؛ نرفض الحق الذي مع أهل البدع ولا نجلس إليهم لأخذه؟
** هكذا يُلبِّس أهل الأهواء على الناس ويكيدون للمسلمين، فيتظاهرون بإعمال القواعد السلفية والسير على دربها، لاصطياد أهل الغفلة من المسلمين والرَّمي بهم في أحضان أهل الأهواء والبدع .
وإقفالًا لهذا المدخل الخطير الذي يتمترس به أهل التحزب وسدًّا لذرائعهم التي يتذرَّعون بها للوصول إلى مقاصدهم الخبيثة، أمر أهل السنة بهجران أهل البدع و ترك النظر في كتبهم لما فيها من الشبهات، التي تتخطف القلوب وتفسدها .
قال حامل راية الجرح والتعديل بحق –الربيع- بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى:« كثير من الناس يخدع الشباب ويقول:( اقرأ، اقرأ وخذ الحق واترك الباطل)، ويكون الشباب مساكين ما عندهم شيء، ما عندهم تمييز بين الحق والباطل، فيقع في الباطل ويظنه حقًّا، ويحارب الحق ويظنه باطلاً، وهذا حصل لكثير من الناس بهذه المصيدة .
فالسلف ما كانوا يقرءون لأهل البدع، وأُلِّفت كتب في التحذير من كتب أهل البدع، ومنها كتاب الموفق بن قدامة في تحريم النظر في كتب أهل البدع، وهناك تحذيرات من الإمام أحمد بن حنبل والذهبي وابن تيمية وابن القيم، كلهم حذَّروا من كتب أهل البدع تحذيرًا شديدًا، حذَّروا منها، وبعضهم يرى إحراقها، ومنهم ابن القيم، ومنهم أحمد بن حنبل أو إتلافها؛ لأنَّ فيها دماراً للأمة فيها إفساد .
فلما انتشرت كتب أهل البدع في أوساط المسلمين، تساهل كثير من المسلمين ووقعوا في حبائل أهل البدع، صار هذا معتزليًّا، وهذا جهميًّا، وهذا أشعريًّا، وهذا صوفيًّا، وهذا وهذا...وما بقي إلا قلة ممن يسلك مسلك السلف الصالح في هذا الخضم الهائل من أهل البدع والعياذ بالله، ما السبب؟ السبب هو مثل هذه النظرية:« أقرأ وآخذ الحق وأترك الباطل»، فيأتي فيأخذ الباطل ويرد الحق... وقد كان السلف أمثال ابن سيرين إمام من أئمة السنة، وأيوب السختياني يعرض عليهم من أهل البدع أن يقرءوا عليه آية من القرآن يقول:« ولا نصف آية» لماذا؟ يفهم أن هذا يريد أن يلبس عليه، ويتلوا الآية عليه ليستخرج منها شبهة، فيقول: « لا أسمع»، لماذا يفعل هذا؟ يقول:« إن قلبي ليس بيدي، وأخاف على نفسي الفتنة » [ انظر:" مجموعة كتب ورسائل الشيخ "(15/16-17-18) ] .
** وللفائدة وردًّا على شبهة أهل التحزُّب، فإن السلف يفرِّقون بين قبول الحق وبين التماسه وطلبه، فيقبلونه من كلِّ من جاء به وأوقفهم عليه، لكنهم لا يلتمسونه ابتداءً ولا يطلبونه من غير أهل السنة، وقاعدتهم في ذلك معلومةٌ مشهورة، وهي قولهم: «إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم » .

** التزام العدل و الإنصاف في معاملة المخالف والكلام في الرجال **

منهج أهل السنة والجماعة في الجرح والتعديل ومعاملة المخالفين، وفي جميع الميادين، منهجٌ قائمٌ على العدل والإنصاف .
يقول العلامة ربيع المدخلي حفظه الله: « الذي نعرفه عن أهل السنة العدل والانصاف، فإذا بدَّعوا أحداً من الناس فإنما يبدعونه بحق.. .
لقد كان السلف يبدعون الأفراد والجماعات بحق وعدل والسالكون على طريقهم يترسَّمون خطاهم بحق وعدل »[ انظر: "مجموعة كتب ورسائل الشيخ"(10/138-139) ] .
وقال حفظه الله:« إن أهل السنة والجماعة من أبرز صفاتهم الإنصاف والعدل.. » [ انظر: " المرجع السابق" (9/578-579)] .
** و قد رفع أهل التَّحزُّب والرَّدى شعار هذه القاعدة السلفية، وتظاهروا بهذه الميزة السُّنِّية ودسُّوا في ثناياها السُّم الزُّعاف، فأوجبوا إعمال منهج الموازنات بين حسنات المردود عليه وسيِّئاته في سياق الرد على ضلالاته والتحذير من أخطائه، كلُّ ذلك باسم: العدل والإنصاف، فزعموا بأن إغفال ذكر محاسن المردود عليه عند نقده، ظلمٌ له، وهضمٌ لحقِّه وبغيٌ عليه، ولا يُرفع عنه هذا العدوان إلا بذكر محاسنه، كلُّ ذلك يفعلونه للدفاع عن رموزهم وحمايتهم من الجرح والنقد .
وقد بيَّن العلامة ربيع المدخلي حفظه الله؛ الذي هو أول من تصدَّى لهذه البدعة بأن ما يُسمى بمنهج الموازنات المحدث لا علاقة له بالعدل والإنصاف، ولا يمتُّ إليه بصِلة، إذ لو كان من العدل والإنصاف لكان من صميم منهج السلف القائم على العدل و الإنصاف، فكيف خلا منه منهج السلف، وهل خلوُّ منهج السلف الصالح منه يدلُّ على أن منهجهم في النقد قائمٌ على غير العدل والإنصاف؟ هذا لازمٌ لأصحاب هذا المنهج لا محيد لهم عنه .
قال العلامة- الربيع- بن هادي المدخلي حفظه الله :« إن أئمة الإسلام تكلموا في أهل البدع وفي الرواة، ولم يشيروا من قريب ولا من بعيد إلى وجوب أو اشتراط هذه الموازنة، وألفوا كتبًا في الجرح والتعديل، وكتبًا في نصر السنة والرد على أهل البدع وجرحهم، وكتبًا في العلل، وكتبًا في الموضوعات، ولم يوجبوا هذه الموازنة لا من قريب ولا من بعيد، بل ألفوا كتبًا خاصة بالجرح، وخصصوها بالمجروحين أو بمن تُكلِّم فيهم بجرح، ولم يشترطوا هذا الشرط لا من قريب ولا من بعيد...
إن هذا المنهج الذي يشترط الموازنة، لمما يعود على أئمة الإسلام بالطعن، وإيقاعهم في شبك الاتهام بالظلم والخيانة، ونعوذ بالله من منهج هذه من نتائجه »[انظر: " المرجع السابق " (5/179-180) ] .
** ومن هنا يتبيَّن لنا بأن منهج الموازنات المحدث لا يدخل بأي شكلٍ من الأشكال في باب العدل والإنصاف، بل ولا هو من لوازمه، فبطل تستر أهل التحزب من ورائه لقصد تمرير بدعتهم ونشر شبهتهم .
سُئل العلامة العثيمين رحمه الله عمن يقول: إن من العدل والإنصاف عند النصيحة والتحذير من البدع وأهلها: أن نذكر حسناتهم إلى جانب سيئاتهم؟
فأجاب رحمه الله:« أقول لك : لا ، لا ، لا هذا غلط »[من شريط سمعي لعدد من المشايخ حول منهج الموازنات] .
فاحذروا معشر أهل السنة من غلَطِ ومُغالطات أهل التحزب وتفطَّنوا لمقاصدهم التي يخفونها من وراء هذه الشعارات، كما تفطَّن الإمام أحمد للجهمية لما تستَّروا ببدعة اللفظ، وتمترسوا بالقول بالوقف، في زمن المحنة .

** أخذ الناس بظواهرهم و رد سرائرهم إلى الله **

من أصول أهل السنة والجماعة أنهم يأخذون الناس بظاهر أقوالهم وأعمالهم، ويكِلون سرائرهم إلى الله تعالى، فمن أظهر لهم خيرًا أمِنوه وقرَّبوه وأثنوا عليه خيرًا، ومن أظهر لهم شرًّا لم يأمنوه ولم يقرِّبوه وإن زعم أن سريرته حسنة .
وعمدتهم في ذلك أدلة كثيرة من الكتاب والسنة، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: « إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس ولا أشق بطونهم »[الحديث: أخرجه البُخَارِيّ (4094) ، وَمُسلم (1064) عن أبي سعيد رضي الله عنه] .
ومنها ما أخرجه البخاري(2641)عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: « إنَّ أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنَّ الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرًا أمناه وقربناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته ومن أظهر لنا سوءًا لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة » .
قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله:« ومن مستنداتهم ( أي أهل السنة ) الأصل العظيم القائم على الأدلة والبراهين، ألا وهو الأخذ بالظاهر، المأخوذ من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وتطبيقاته، ومن قول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتقرير الصحابة له على هذا الأصل، وتطبيقات علماء الأمة وعلى رأسهم أئمة الجرح والتعديل »[ انظر: "مجموعة الكتب والرسائل"(13/467) ] .
** وقد حاول أهل التحزب استغلال هذا الأصل السلفي و التستر به للدفاع عن رموزهم و رؤوسهم، وطالبوا بمعاملتهم بالظاهر الذي يتظاهرون به من الصلاح والتقوى، وإحسان الظن بهم، وترك التنقيب عن أخطائهم، و اتهموا أهل السنة الذين لم ينخدعوا بظواهرهم المزيفة لما عندهم من القرائن الموجبة لسوء الظن بهم: بأنهم يخالفون أصل الأخذ بالظاهر، وبأنهم يتدخلون في النيات، ويطعنون في المقاصد، وجعلوا يُلبِّسون على الناس بهذا الهذيان .
والحق أن أهل السنة إنما بنوا سوء ظنهم بأهل التحزب، وطعنوا في مقاصد بعضهم، ولم يكتفوا بظواهرهم، لما عندهم من القرائن القوية الموجبة لذلك، ولأجل ما عند أهل التحزب من الشبه والرِّيب فكيف يُحسن الظن بمن هذا حاله، ويُكتفى بما يُظهره من الصلاح ؟.
يقول العلامة ربيع المدخلي حفظه الله:« يجب الحذر منهم غاية الحذر...وما هم فيه من الشبهات و التخبطات والانحرافات، وهم يريدون السوء لمن يثق فيهم، ولمن يجالسهم ويخالطهم؛ ولهذا تراهم يسلكون شتى المسالك لصد أهل الحق، ولا سيما الشباب عن منهج الله الحق ...
الرسول عليه السلام تلا هذه الآية:( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ) [آل عمران:7] لما تلاها قال:« فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم » . [ الحديث: أخرجه البخاري: (4547) , ومسلم: (2665) عن عائشة رضي الله عنها] .
فهؤلاء أهل الأهواء وأهل الزيغ هم الذين يتتبعون المتشابهات، الرسول صلى الله عليه وسلم يقصد أن أهل الزيغ الذين يتبعون المتشابه هم الذين يجب أن يحذرهم الناس...، وعلى هذه الشاكلة أهل البدع في كل زمان ومكان ...
فإحسان الظن بأهل الانحرافات، وأهل البدع والضلالات، مخالفٌ لمنهج الله تبارك وتعالى، فلا بد من الحذر منهم، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: « فإذا رأيتم من يتبع المتشابه فأولئك الذين لعن الله فاحذروهم » .
ما قال أحسنوا بهم الظن كما يقول الآن كثير من أهل الأهواء: أنتم تتكلمون عن النوايا، أنتم تتكلمون عن المقاصد، يا أخي إذا رأينا عندك شبه وضلالات أنت مُتهم، الله حذرنا منك، ورسول الله حذرنا منك، كيف لا نحذر منك، وكيف نحسن بك الظن وقد نبهنا الله تبارك وتعالى إلى سوء قصدك، وحذر رسول الله منك..فالذي يحترم المنهج السلفي ويحترم العقيدة السلفية ويحترم أهل هذا المنهج سابقهم ولاحقهم، كيف يحسن الظن ويركن إلى أهل الباطل »[ انظر: "المرجع السابق"(4/335-337) ] .
وقال الشيخ ربيع حفظه الله:« توجد ظاهرة خطيرة، وهي أن أهل الحديث والسنة إذا دافعوا عن الحق وأهله؛ اتَّهمهم المرتجفون خوفاً على أهل البدع بأنهم ... يسيئون الظن بالناس ويتدخلون في نياتهم !! ولكن لا مانع أن يُتّهَمَ أهلُ الحديث بأي تهمة، بما فيها أنهم يسيئون الظن بالناس، ويتدخلون في نياتهم وطوايا نفوسهم !»[ انظر: "المرجع السابق"(13/81) ]، والعلم عند الله تعالى .
....يتبع بمشيئة الله .
http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=15474