السبت، 17 سبتمبر 2016

احذَرُوا هَذِه المدَاخِلَ الحِزبِيَّة مِن خِلَالِ بَعضِ القَوَاعِدِ السَّلَفِيَّة (الحلقَةُ الرَّابِعَة)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين و بعد: فهذه الحلقة الرابعة من مقالنا الذي بعنوان " احذروا هذه المداخل الحزبية من خلال بعض القواعد السلفية ".
ونستهلها بالمدخل الحزبي من خلال قاعدة:
* مراعاة المصلحة في هجر المبتدعة *

مراعاة المصلحة في هجر المبتدعة والمخالفين أمرٌ مطلوب عند أهل السنة، وقد تذرَّع به الحزبيُّون لمجالسة المبتدعة و مماشاتهم ومخالطتهم بحجة أنه لا مصلحة تُرجى من هجرهم، وأنَّ هجرهم لا يزيدهم إلا شرًّا ، وأن المصلحة في مخالطتهم وتأليفهم، بل بدعوى اشتمال الهجر على عظيمٍ من المفاسد تُغمَر في بحرها مصالحه إن وجدت!! والنتيجة هي إلغاء الهجر، و إذابةُ السلفيين في أوساط المميِّعة والمنحرفين .
و قد استند أهل التحزُّب و التميُّع في دندنتهم حول مراعاة المصلحة في الهجر إلى كلامٍ لبعض العلماء لم يفهموه، أو فهموه لكنهم حرَّفوه وأخرجوه عن مضمونه ليتناسب مع أهوائهم، ومن ثمَّ يستغلونه في التشويش على أهل السنة، وإثارة الشبه في أوساطهم، كما هي عادة أهل البدع في سابق الدهر و لاحقه.
يقول الإمام الشوكاني رحمه الله في كتابه " أدب الطلب" (ص43): « وقد جرت عادة أهل البدع في سابق الدهر ولاحقه بأنهم يفرحون بصدور الكلمة الواحدة من عالم من العلماء ويبالغون في إشهارها وإذاعتها فيما بينهم و يجعلونها حجة على بدعتهم ويضربون بها وجه من أنكر عليهم »انتهى .
و هذا الذي صنعه الحزبيون الذين سعوا بخيلهم ورجلهم لهدم الأصل السنِّي في هجر المخالف والمبتدع، حيث عمدوا إلى أقوال بعض علماء السنة التي صرحوا فيها بلزوم مراعاة المصلحة في هجر المبتدع، وحاولوا استغلالها لتبرير مواقفهم التمييعية من المخالفين، وجعلها حجة لأهوائهم وأباطيلهم والضرب بها في وجه من أنكر عليهم من أهل السنة .
فخالطوا المبتدعة بحجة أن لا مصلحة ترجى من هجرهم، وأنَّ هجرهم لا يزيدهم إلا شرًّا وانحرافًا، وأن المصلحة في مخالطتهم وتأليفهم، و..و.. فما درى أهل السنة إلا وهم يقلِبون لهم ظهر المجنّ، و يتحولون إلى محامين يدافعون عن المبتدعة، ويطعنون في أهل السنة، فراح المساكين يراعون مصلحة المبتدعة، فإذا بهم يضيِّعون مصلحتهم ويقعون في حبالهم .
فإن في الهجر مصلحتان:
مصلحة تعود إلى الهاجر، ومصلحة تعود إلى المهجور .
فإذا روعي في الهجر مصلحة الهاجر نفسه فهذا يُسمَّى: الهجر الوقائيّ .
وإذا روعي في الهجر مصلحة المهجور فهذا يسمَّى: الهجر التأديبيّ .
وتتمثل مصلحة المهجور: وهو المخالف، في تأدُّبه و ارتداعِه بالهجر الذي يحمله على مراجعة نفسه، والتوبة من غيِّه وضلاله .
قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى"(28/206):« وَهَذَا الْهَجْرُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْهَاجِرِينَ فِي قُوَّتِهِمْ وَضَعْفِهِمْ وَقِلَّتِهِمْ وَكَثْرَتِهِمْ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ زَجْرُ الْمَهْجُورِ وَتَأْدِيبُهُ وَرُجُوعُ الْعَامَّةِ عَنْ مِثْلِ حَالِهِ »انتهى .
بينما تتمثل مصلحة الهاجر: في وقايته لنفسه من شبهات المخالف المبتدع، فإن أهل البدع أصحاب شبهاتٍ و تلبيسات، يُخشى على من يجالسهم أن يتأثر ببعضها فتنتقل إليه العدوى، كما تنتقل العدوى من الرجل المريض إلى الصحيح .
قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله: « فالحذر من أهل البدع، وبغضهم وهجرانهم ومقاطعتهم هو السبيل الصحيح لحماية الأصِحَّاء من أهل السنة من الوقوع في فتنتهم »[ انظر: "مجموعة كتب ورسائل الشيخ"(4/337) ] .
والملاحظ على هؤلاء الحزبيين المتباكين على المبتدعة والمنحرفين: حصرهم المصلحة المقصودة بالهجر في مصلحة المهجور، الذي هو المخالف و المبتدع، في وقت يُهملون مصلحة الهاجر، وهو السنِّي السَّلفي!! .
هذه المصلحة العظيمة التي بها تُحفظ عقيدة أهل السنة، ويُحمى بها منهجهم لا نكاد نسمع حولها همسةً من قبل أهل التحزُّب، ولا يولونها اهتمامهم، بينما يتباكون بكاء التماسيح على مصلحة المخالفين و الحزبيين، و يستغلُّونها في الذَّب عنهم باسمها، وتحت ستارها .
إنَّ مصلحة السلفيِّ عند أهل السنة أولى بالمراعاة من مصلحة المبتدع المخالف، لأن مراعاة مصلحة السلفي فيها حفظٌ لرأس مال السلفيين، ومراعاة مصلحة المهجور المخالف فيها طلبٌ للربح، وحفظ رأس المال مُقدَّمٌ على طلب الربح والفائدة .
و لا تتحقق مصلحة السلفي في دينه إلا بهجران أهل الشبه والضلال، وفراره منهم أشدَّ من فراره من المجذوم و الأسد، و أصحاب الأمراض المعدية .
قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله:« هؤلاء يتعلقون بكلام ابن تيمية في مراعاة المصالح والمفاسد وينزلونه في غير منازله، ويهملون مصلحة الشباب الذين وقع كثير منهم في أحضان أهل البدع .
فيجب أن نراعي في المفاسد والمصالح أول شيء مصلحتك أنت أيها الشاب، هل من مصلحتك أن تخالط أهل البدع؟
نستخدم هنا قاعدة سد الذرائع، ودفع المفاسد مقدم على جلب المصالح؛ يعني لا مصلحة في الاختلاط بأهل البدع إلا أن تنصحهم وتبين لهم الحق .
أما أن تجالسهم وتضاحكهم وتتخذ منهم أخدانًا وأخلاء؛ بل يصل بك الأمر إلى موالاتهم ومعاداة أهل السنة، فهذا هو الضلال البعيد، يقع فيه كثير من الناس، يجره الشيطان بحبل المصلحة فيرتمي في النهاية في أحضان أهل البدع، ثم ينقلب خصمًا لدودًا على أهل السنة .
فأنا أقول تراعى المصالح والمفاسد أولا في مصلحة نفسك، أنت تعرف شخصك، تعرف مدى ثباتك على الحق واحترامك له، ثم ماذا تريد من مخالطتك لأهل البدع؟ هل تريد المصلحة أو تريد الاستفادة منهم؟
إن كنت تريد الاستفادة منهم فاتهم نفسك الضعيفة وأبعدها، وإن كنت ترى عندك القدرة والقوة على نصحهم والتأثير فيهم وردهم من الباطل إلى الحق؛ فاختلط بهم على هذا الأساس لنصحهم فقط، سرًّا وعلانية، لا للضحك ولا للأكل ولا للشرب ولا لشيء مما يسخطه الله -تبارك وتعالى- أو يؤدي بك إلى أن تقع في الضلال، أو تقع في البدع .
فهجران أهل البدع أصل أصيل عند أهل السنة ساروا عليه، وابن تيمية رأى مراعاة المصالح والمفاسد، لا على منهج من يريد أن يجرَّ شباب الأمة الذين ينفع الله بهم الإسلام، ويرفع بهم رايته، فيجرُّهم إلى أهل البدع، فاستخدم هذه القاعدة أسوأ استخدام واستغلها أسوأ استغلال .
فذهب كثير من الناس فوقعوا في أحضان أهل البدع وضحايا لأهل البدع باسم مراعاة المصلحة التي لا يحسنون مراعاتها، والتي يهمل فيها مصلحة هذا المسكين الذي يدفع إلى هوة الباطل والضلال، وقد وقع كثير بهذا السبب وبسبب القاعدة الثانية عندهم: نقرأ كتب أهل البدع أو كتب المفكرين فما كان حسنًا أخذناه وما كان باطلًا تركناه!»[ انظر "مجموعة كتب ورسائل الشيخ ربيع "(14/304-305) ] .

* لزومُ غرزِ علماء السُّنة و عدم الشُّذوذِ عنهم *

لزوم غرزِ علماءِ السُّنة واحترامهم وتوقيرهم، والصدور عن توجيهاتهم والرجوع إليهم، وعدم الشذوذ عنهم، أمرٌ لازمٌ عند أهل السنة، بل إن ذلك ليعتبر من أصولهم و بدهيات منهجهم! .
لكننا نجد أهل التحزُّب يحاولون استغلال هذا الأصل لإسقاط جرح من جرحَهم من مشايخ السنة وكَشفَ أباطيلَهم وأباطيلَ شيوخِهم، فيردُّون جرح الجارح السلفي ويرفضونه بدعوى أنه انفرد عن العلماء وشذَّ عنهم في جرحه لفلانٍ وفلانٍ من الحزبيِّين، فلا يأخذون به حتى يُجمِع عليه العلماء أو يقول به أكثرهم، فإن وافقه العلماء أو أكثرهم على جرحه و إلا لم يُقبل جرحه عندهم.
فيجعلون ميزانهم في قبول الجرح في المجروحين هو الكثرة، فالعبرة عندهم بالكثرة لا بالأدلة والبراهين، و الشذوذ عندهم هو مخالفة الكثرة من العلماء .
والحقُّ أن الشذوذَ هو مخالفة الحق والأدلة، لا مجرد مخالفة الأكثرية من الناس .
قال الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى في كتابه "إحكام الأحكام" (5/661): « الشذوذ هو مفارقة واحد من العلماء سائرهم، وهذا قول قد بيَّنا بطلانه في باب الكلام في الإجماع...وذلك أن الواحد إذا خالف الجمهور إلى حق فهو محمود ممدوح، والشذوذ مذموم بإجماع، فمحال أن يكون المرء محمودًا مذمومًا من وجه واحد في وقت واحد.. الشذوذ هو مخالفة الحق، فكل من خالف الصواب في مسألة ما، فهو فيها شاذ، وسواء كان أهل الأرض كلهم بأسرهم أو بعضهم والجماعة والجملة أهل الحق ولو لم يكن في الأرض إلا واحد »انتهى .
* وهذه هي عِلَّةُ تقديم الجرح المفسَّر على التعديل عند أهل العلم، فإنهم يُقدِّمون قول الجارح المؤيَّد بالبراهين والأدلة على قول المعدِّلين ولو كثر عددهم؛ لأن الجارح والحالة هذه عنده زيادة علم على المعدلين، وهذه العلة ثابتةٌ سواءٌ قلَّ المعدِّلون أم كثروا.
قال الخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه " الكفاية في علم الرواية "( 1 / 311): « إذا عدل جماعة رجلا وجرحه أقل عددا من المعدلين ، فإن الذي عليه جمهور العلماء أن الحكم للجرح والعمل به أولى ، وقالت طائفة : بل الحكم للعدالة ، وهذا خطأ ، لأجل ما ذكرناه من أن الجارحين يصدقون المعدلين في العلم بالظاهر، ويقولون : عندنا زيادة علم لم تعلموه من باطن أمره، وقد اعتلت هذه الطائفة بأن كثرة المعدلين تقوي حالهم ، وتوجب العمل بخبرهم ، وقلة الجارحين تضعف خبرهم ، وهذا بُعْدٌ ممن توهمه ، لأن المعدلين وإن كثروا ليسوا يخبرون عن عدم ما أخبر به الجارحون ، ولو أخبروا بذلك وقالوا : نشهد أن هذا لم يقع منه ، لخرجوا بذلك من أن يكونوا أهل تعديل أو جرح ، لأنها شهادة باطلة على نفي ما يصح ، ويجوز وقوعه وإن لم يعلموه ، فثبت ما ذكرناه »انتهى .
ونقول لأهل التحزُّب والتشغيب: أليس ممَّا هو مُقرَّرٌ في علم أصول الفقه أن مخالفةَ المجتهدِ الواحدِ لجماهير المجتهدين في مسألة ما، ينخرِم به إجماعهم؟! بل لا ينعقد الإجماع أصلًا بمخالفة الواحد والإثنين ممن يعتدُّ بأقوالهم على الصحيح وهو قول الجمهور؟! ومعنى هذا: أن الحق قد يكون مع المخالف لقول الجمهور إذا كانت الحجة معه، و إذا كان الأمر كذلك فهو حينئذٍ الجماعة! وهو السواد الأعظم! فيكون مخالفه هو الشَّاذ و لو بلغ عدد المخالفين ما بلغ! .
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين "(3/409-410):« واعلم أن الإجماع والحجة والسواد الأعظم هو العالم صاحب الحق، وإن كان وحده، وإن خالفه أهل الأرض قال: عمرو بن ميمون الأودي: صحبتُ معاذًا باليمن فما فارقته حتى واريته في التراب بالشام، ثم صحبتُ من بعده أفقه الناس عبد الله بن مسعود فسمعته يقول: « عليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة » ، ثم سمعته يوما من الأيام وهو يقول: « سيولى عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها فصلوا الصلاة لميقاتها فهي الفريضة وصلوا معهم فإنها لكم نافلة» قال: قلت يا أصحاب محمد؟ ما أدري ما تحدثون قال: وما ذاك ؟ قلت: تأمرني بالجماعة وتحضُّني عليها ثم تقول لي: صلِّ الصلاة وحدك وهي الفريضة وصل مع الجماعة وهي نافلة!؟ قال: « يا عمرو بن ميمون، قد كنت أظنك من أفقه أهل هذه القرية! أتدري ما الجماعة؟ قلت لا، قال: « إن جمهور الجماعة هم الذين فارقوا الجماعة، الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك » وفي لفظ آخر: « فضرب على فخذيَّ وقال: ويحك إن جمهور الناس فارقوا الجماعة وإن الجماعة ما وافق طاعة الله تعالى» .
وقال نعيم بن حماد: « إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد وإن كنت وحدك فإنك أنت الجماعة حينئذ » ذكرهما البيهقي وغيره .
وقال بعض أئمة الحديث وقد ذكر له السواد الأعظم فقال: أتدرى ما السواد الأعظم؟ هو محمد بن أسلم الطوسي وأصحابه .
فمسخ المختلفون الذين جعلوا السَّواد الأعظم والحجة والجماعة هم الجمهور وجعلوهم عيارًا على السنة، وجعلوا السنة بدعة والمعروف منكرًا لقلة أهله وتفردهم في الأعصار والأمصار، وقالوا: من شذَّ شذَّ الله به في النار! وما عرف المختلفون أن الشَّاذ ما خالف الحق وإن كان الناسُ كلُّهم عليه إلا واحدًا منهم فهم الشَّاذُّون .
وقد شذَّ النَّاس كلُّهم زمن أحمد بن حنبل إلَّا نفرًا يسيرًا فكانوا هم الجماعة، وكانت القضاة حينئذٍ والمفتون والخليفة وأتباعه كلهم هم الشَّاذُّون، وكان الإمام أحمد وحده هو الجماعة.. »انتهى كلام ابن القيم رحمه الله .
و سئل العلامة ربيع المدخلي حفظه الله: هل يشترط في جرح أهل البدع إجماع أهل العصر، أم يكفي عالم واحد؟
فأجاب حفظه الله:« هذه من القواعد المميِّعة الخبيثة- بارك الله فيكم-، أيُّ عصر اشترط هذا الإجماع؟! وما الدليل على هذا الشرط؟!! كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل..هؤلاء مميِّعون..فلا تسمعوا لهذه التُّرَّهات، فإذا جرَّح عالم بصير شخصًا-بارك الله فيكم- يجب قبول هذا الجرح، فإذا عارضه عالم عدل متقن، حينئذ يُدرس- يعني- ما قاله الطرفان ويُنظر هذا الجرح وهذا التعديل، فإن كان الجرح مفسَّرًا مبيَّنًا قُدِّم على التعديل ولو كثُر عدد المعدِّلين، إذا جرَّح عالمٌ بجرح مفسَّر وعدَّله عشرون، خمسون عالما ما عندهم أدلة، ما عندهم إلا حُسن الظَّنّ والأخذ بالظاهر، وعنده الأدلة على جرح هذا الرجل، فإنه يُقدم الجرح، لأن الجارح معه حجة، والحجة هي المقدَّمة، و أحيانًا تقدم الحجة ولو خالفها أهل الأرض، ملئ الأرض خالفه و الحجة معه فالحق معه، و الجماعة من كان على الحق و لو كان وحده ، لو كان إنسان على السنة و خالفه أهل مدينتين، ثلاث مبتدعة، الحق معه و يقدم ما عنده من الحجة و الحق على ما عند الآخرين من الأباطيل ، فيجب أن نحترم الحق و أن نحترم الحجة و البرهان...فالكثرة لا قيمة لها إذا كانت خَلِيت من الحجة ، فلو اجتمع أهل الأرض إلا عدد قليل على باطل، و ليس لهم حجة فلا قيمة لهم، و لا قيمة لموافقتهم، ولو كان الذي يقابلهم شخص واحد أو عدد قليل »[ من " شريط سمعي في موقع الشيخ في الكلام على فتنة فالح الحربي " ] .

* التثبت في الأخبار و عدم العجلة في قبولها إلا بعد التبيُّن من صحتها *

من منهج أهل السنة والجماعة أنهم لا يتعجَّلون في قبول الأخبار، ولا يتسرَّعون في بناء الأحكام عليها، و اتخاذ المواقف من منطلقها، حتى يتبيَّنوا ويتثبَّتوا من صحتها .
لكنَّ ذلك مخصوصٌ عندهم بأخبار الفُسَّاق وما يلحق بها كأخبار المجاهيل، وأما أخبار الثقات العدول فإنهم لا يتعاملون معها بهذه المعاملة، ولا ينظرون إليها بهذا المنظار، بل يقبلونها ويبنون عليها الأحكام، ولا يتثبَّتون منها كما يتثبَّتون من أخبار الفسَّاق والمجاهيل .
و ذلك عملًا بقوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُو ﴾ .
قال العلامة الشنقيطي رحمه الله في تفسير هذه الآية من سورة الحجرات كما في "أضواء البيان": « دلت هذه الآية من سورة الحجرات على أمرين: الأول منهما: أن الفاسق إن جاء بنبإ ممكن معرفة حقيقته ، وهل ما قاله فيه الفاسق حق أو كذب فإنه يجب فيه التثبت، والثاني: هو ما استدل عليه بها أهل الأصول من قبول خبر العدل لأن قوله تعالى:﴿ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فتبيَّنوا ﴾ يدل بدليل خطابه أعني مفهوم مخالفته: أن الجائي بنبإ إن كان غير فاسق بل عدلاً لا يلزم التبيُّن في نبئه على قراءة : ﴿ فتبينوا ﴾. ولا التثبت على قراءة : ﴿ فتثبتوا ﴾ »انتهى .
فأهل السنة لا يتثبَّتون من أخبار الثقات، ولا يتردَّدون في قبولها، و لا يتبيَّنون منها كما يتبيَّنون ويتثبَّتون من أخبار غير الثقات من الفساق والمجاهيل و نحوهم، هذا منهجهم انطلاقًا من الآية السابقة وما كان في بابها .
قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله:« إذا أخبرك الثقة بنبإٍ كفاك ذلك شرعاً ولا يلزم الثبت إلا في حال إخبار الفاسق كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُو ﴾، وهذا منهج أهل السنة والجماعة في تلقي الأخبار وقبولها، أو ردِّها »[ انظر: "مجموعة كتب ورسائل الشيخ"(13/44) ] .
ولقد أكثر الحزبيُّون من اللهج بأصل التثبُّت، وأسرفوا في المناداة به، وتظاهروا بالتورع في قبول الأخبار والشائعات، والتَّأنِّي في الأخذ بها إلى حين التثبُّت منها .
وقعَّدوا في سبيل ذلك القواعد، ومن ذلك قولهم: لا نقبل ما نُقِل إلينا و ما بلغنا عن فلان وفلان حتى نقف عليه بأنفسنا مسموعًا أو مكتوبًا .
لكنهم لا يخصُّون هذا التثبت بأخبار الفُسَّاق ونحوهم، كما هي طريقة السلف، بل يتعدَّون ذلك إلى أخبار الثقات، فيتعاملون معها كما يتعاملون مع أخبار الفساق والمجاهيل، من حيث التأنِّي والتريُّث في قبولها، حتى يُتبيَّن ويُتثبَّت منها، أو إلى حين وقوفهم على ما أخبر به الثقة بأنفسهم، مخالفين بذلك منهج السلف، وطريقة أهل السنة في عدم التثبت من خبر الثقة ولزوم قبوله وبناء الأحكام عليه .
ومقصود أهل التحزُّب بهذا الصنيع المحدث، والأصل الفاسد، التشكيك في أخبار الثقات من أهل السنة، و رد أحكام العلماء على المنحرفين، دفاعًا عن أهل البدع، ومحاماةً عنهم، بدعوى التثبت، فيقول قائلهم: لا أقبل الكلام في فلان حتى أتثبت مما نُسب إليه من المخالفات، و أقف على أخطائه بنفسي، فلا يكفي عند الواحد منهم إخبار العدول الثقات عن حال الشخص ، وما عنده من بلايا وانحرافات، حتى يسمعها بنفسه بصوته، أو يقرأها في كتبه!
وممن كان يدندن بهذه القاعدة البدعية المأربي أبو الحسن، وقبله المغراوي وغيره، ثم ورثها عنهم أهل التمييع في الوقت الحاضر .
قال العلامة المجاهد ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله، في رسالته "جناية أبي الحسن على الأصول السلفية":« أبو الحسن يسير على منهج عدنان وغيره من أهل الباطل في رد الحق؛ بدعوى أنه يأخذ بأصل « التثبت » فيقول:« أنا لا أقبل الكلام في أي شخص سواءً كان هذا الكلام في كتاب أو سمعته في شريط حتى أسمعه من الشخص المتكلم فيه أو أقرأه في كتابه »، ويرد فتاوى وأحكام العلماء الثقات القائمة على الأدلة بهذا الأسلوب الفاسد، حتى لو سمع المتكلم أو قرأه من كتابه، ثم يقبل كلام من لعله مجهول أو فاسق أو كاذب، والحق أنَّ تثبُّتَه المزعوم إنما هو لرد الحق لا من أجل الوصول إليه، ولا لرد الباطل » [ "مجموعة كتب ورسائل الشيخ" (13/78-79)] .
* و مما يدل على أن أهل البدع والتحزُّب لا قصد لهم بما أحدثوه من بدعة التثبُّت الحزبية إلا رد أحكام العلماء على المنحرفين، و الدفاع عن أهل البدع، و المحاماة عنهم أنهم إذا وقفوا على ضلالات متبوعيهم بأنفسهم مقروءة أو مسموعة، كما هو شرطهم، ولم يجدوا بُدَّا من إنكارها، قال قائلهم: هي مغمورةٌ في بحار حسناتهم! جريًا على بدعة الموازنات، أو قال: هي من مُجمل الكلام الذي يُردُّ إلى مفصّله، عملًا بقاعدة المجمل و المفصل البدعية، وإلَّا قال: لا يلزمني الأخذ بهذا الجرح، أو لم يقنعني!! أو أنه اجتهادٌ معارَضٌ باجتهادٍ آخر، فيتلاعبون بالحق، ولا يُسلِّمون بجرح علماء السنة، ولا يأخذون به تعصُّبًا منهم للباطل وأهله، ولسان حالهم يقول: معزةٌ ولو طارت وحلَّقت !! نعوذ بالله من الهوى .
* نُصح المخالف *

أهل السنة كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: « أعلم الناس بالحق، وأرحم الخلق بالخلق »[ «منهاج السنة النبوية» (5/ 158)] ، ومن رحمتهم بالخلق قيامهم بواجب النصيحة للمسلمين عامة وللمخالفين خاصة، « يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصِّرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضالٍّ تائهٍ قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، و ما أقبح أثر الناس عليهم ... » [ الرد على الزنادقة والجهمية (ص 6 ) ] .
فلا أنصح لعباد الله من أهل السنة، فإنك تجدهم ينصحون للمخالف ويصبرون عليه، ويجتهدون في بيان الحق له، وكشف الشبه عنه حرصًا منهم على هدايته.
إلا أن أهل السنة و إن حرصوا على هداية المخالف والمبتدع واجتهدوا في نصحه، فإن ذلك لا يعني أنهم يجالسونه ويتخذونه صاحبًا، ولكن يخالطونه مخالطة الطبيب للمريض، فإنه لا يجلس إليه في كل وقت، وإنما يأتيه في أوقات محدَّدة معيَّنة لقصد علاجه، وتعاهده بالدواء .
ومن مكر أهل التحزُّب والتمييع استغلالهم لمسألة نصح المخالف، حيث تذرَّعوا بها إلى مجالسة المبتدعة ومخالطتهم، فإذا رأيت أحدهم يجالس بعض المبتدعة وحذَّرتَه منهم، اعتذر لك بأنه إنما يجلس إليهم لقصد مناصحتهم، وبيان الحق لهم!، مع أنه قد يمكث معهم الأشهر العديدة، والسنين المديدة، ولا جديد! ويتذرَّع عند من ينتقده من أهل السنة بأنه يُناصحهم! مراوغةً و مكرًا .
سئل العلامة عبيد الجابري حفظه الله: ما حكم الذي يخالط أهل البدع بحجة أنه ينصحهم، وهل يلزم مع النصيحة المخالطة؟
فأجاب: أقول المخالطة قسمان:
قسم الممازجة: وما يصحبها من الهشاشة والبشاشة من غير نكير، وإن حصل نكير فهو ما يشبه المزاح فهذه هي المذمومة والممقوتة.
والقسم الثاني: مخالطة مع شدة النكير وقوة النكير والبيان، قوة النكير عند الحاجة والبيان لهم فهذا لا بأس به – إن شاء الله –، لكن لابد أن ينتهي عند حد، لابد أن ينتهي عند حدٍّ معين، أمَّا أن يستمر طول الوقت فهذا ليس من النصيحة في شيء، هذا يؤدي إلى التخفيف والممازجة وقد يغترُّ به من هو ضعيف في هذا » [المصدر: إذاعة ميراث الأنبياء: قسم: العقيدة والمنهج ( البدع المحدثة)].
وسئل العلامة محمد بن هادي المدخلي حفظه الله: عن المشي مع المخالف لأهل السنة وإذا نصحته قال أنا معه أنصحه؟
فأجاب: « في الحقيقة هذا من التلبيس، تلبيس إبليس عليك، يعني مشيك معه وهو مخالف لأهل السنة هذا مصيبة.. فالمناصحة لا تستلزم المخالطة..» [المصدر: إذاعة ميراث الأنبياء: قسم: وصايا ونصائح ].
* و من مداخل أهل التحزُّب من خلال مسألة نصح المخالف زيادة على ما ذُكر، سعيهم في استغلالها للمحاماة عن أهل البدع، ورؤوس الضلال، حيث قعَّدوا القواعد الفاسدة تحت ستار النصيحة للمخالفين، من ذلك:
قاعدتهم الحزبية: « نصحِّح ولا نجرِّح »، « ننصح ولا نفضح »، ثم فرَّعوا عنها قاعدتهم الخلفية: « نُصحِّح الأخطاء ولا نُجرِّح ولا نَهدِم الأشخاص » .
و مقصودهم من هذه القواعد التمييعية التي قعدوها تحت غطاء النصح: أنَّنا نسعى ونجتهد في تصحيح أخطاء المنحرفين والمخالفين ببذل النصيحة لهم، لكننا لا نُجرِّحهم ولا نسقطهم بها، مهما عظمت، وبلغت في الكثرة والخطورة، فنترك أخطاء المبتدع إن لم يقبل نصيحتنا وأصرَّ على باطله، أما هو فلا نتركه ولا نهجره، ولا نهدمه ولا نفضحه، أو نشهِّر به، والنتيجة: هي إلغاء الهجر والتحذير من أهل البدع، ومخالطة المبتدعة لقصد تمكينهم من نشر شبهاتهم في أوساط أهل السنة .
سئل العلامة ربيع المدخلي حفظه الله: نرجو منكم التعليق بما ترونه حول قاعدة عدنان « نصحح ولا نجرح » هل هي صحيحة كما يرى هو في دفاعه عنها، أم هي غير صحيحة من الناحية الشرعية ؟.
فأجاب الشيخ حفظه الله:«..هذه القاعدة « نصحح ولا نجرح »، وإن خالفت قاعدته الثانية « إذا حكمت حوكمت »..، فالمؤدى والمقصود واحد، وهو إسكات السلفيين عن إبراز ما عندهم من حق، وإبطال ما عند غيرهم من الباطل، ولإسكاتهم عن نقد أهل البدع والضلال »[" مجموعة كتب ورسائل الشيخ" (11/152-153) ] .

* محبة المؤمن وموالاته بقدر ما معه من إيمان وبغضه بقدر ما معه من فسوقٍ وعصيان *

عصاة المؤمنين أو فساق الملة عند أهل السنة مؤمنون ناقصوا الإيمان، مستحقون للثواب والعقاب، والموالاة والمعاداة، والحب والبغض؛ بحسب ما فيهم من البر والفجور، فيُحبُّون على قدر إيمانهم، ويُبغضون على قدر فسوقهم وعصيانهم، هذه هي عقيدة أهل السنة فيهم، وهكذا يعاملونهم كما تجده مقرَّرًا في كتب العقائد السلفية .
وقد حاول أهل التحزُّب التسلل من خلال هذا الأصل السلفي، لقصد تلميع أهل البدع والثناء عليهم وإبراز محاسنهم وحسناتهم لإغراء الناس بهم، ودعوة الناس إلى محبتهم والتعلق بهم .
فتجدهم يتباكون على المبتدع بأنه مسلم، ومادام أنه كذلك فله حقوق الإسلام من المحبة والأخوة والموالاة ، فألحقوه بالعصاة وفسَّاق الملة من جهة الحب والبغض، الموالاة والمعاداة، ما دام أنه لم يخرج من دائرة الإسلام، مع أنك لا تكاد تجدهم يُظهرون إلا محاسنه ويغلِّبونها على مساوئه انطلاقًا من قاعدة الموازنات الحزبية، وهدفهم من ذلك هدم أصل البراءة من المبتدعة ومعاداتهم، و استدراج الناس و الرمي بهم في أحضان أهل البدع .
وقد سبق في المدخل الذي قبل هذا نقل كلام الحزبي عدنان عرعور الذي قال فيه: « ( المسلم أخو المسلم )، مادام مسلماً لم يكفر فهو أخوك .
2- إن لهذه الأخوة حقوقاً ضيعها كثير من المسلمين، ومن أهم هذه الحقوق: « التناصح لا التفاضح »... » .
وقال قبل هذا الكلام:« المسلم يبقى مسلماً مهما فجر ، ومهما فسق ، ومهما ابتدع ، وأن الأخوة لا يبطلها مبطلٌ إلا الكفر .
لو أن شباب الصحوة الإسلامية ومن معهم من الكبار والصغار أدركوا هذه القضية الجديرة بالاهتمام : أن المسلم مهما كان فاسقاً فاجرًا ، فله عليك حق الأخوة بقدر ما قدّر الشرع ، من الضوابط التي وضعها العلماء وليس الآن محل ذكرها ، أخوك رغم أنفك ، مادام في دائرة الإسلام الواسعة» انتهى .
فالمبتدعة إخوةٌ لنا رغم أنوفنا على منطق الحزبيين، ولهم علينا حقوق كسائر إخواننا المسلمين، ومن حقوقهم المفروضة علينا من قبل أهل التحزب: محبتهم و موالاتهم بقدر إيمانهم!! فشأنهم كشأن العصاة وفساق الملة .
وهذا قياسٌ حزبيٌّ فاسد الاعتبار، إذ أنه لم يُنقل عن السلف أنه يعاملون المبتدعة من حيث الحب والبغض كما يعاملون العصاة، بل لم يُنقل عنهم إلا الأمر بهجران المبتدعة وبغضهم وذمِّهم ومعاداتهم والتحذير منهم ومن مجالستهم .
سئل العلامة المحدث ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله : هل يجتمع في الرجل المبتدع حب وبغض؟
فكان مما أجاب به حفظه الله تعالى أن قال: «.. إذا تأملنا كلام السلف ، واستقرأنا عموم كتب السنة ، فلا نجد هذا التوزيع، توزيع القلب في قضية أهل البدع ، إلى حب من جهة، وبغض من جهة ، لا نجد ذلك ، و لا نجد من السلف إلا الحث على بُغضهم وهجرانهم ، بل قد حكى عدد من الأئمة الإجماع على بُغضهم وهجرهم ومقاطعتهم، حكى عدد من الأئمة منهم الإمام البغوي رحمه الله صاحب " شرح السنة" وصاحب " التفسير" وغيرهما من المؤلفات النافعة ، وهو إمام من أئمة السنة ، ولعله يُعَدُّ من المجددين ، وكذلك الإمام الصابوني صاحب " شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث" ، وغيره ، حكوا الإجماع على بُغض أهل البدع ، وهجرانهم ، ومقاطعتهم ، هذا الإجماع من الصحابة ومن بعدهم.
وأظن أنه ما يستطيع إنسان أن يجمع بين الحب والبُغض، ويوزعهما ويقسمهما قسمين، البغض على قدر ما ارتكب من البدعة ، والحب على ما بقي عليه من السنة ، فهذا تكليف بما لا يُطاق، وكل ّ يؤخذ من قوله ويردّ.
وإن قال هذا القول رجل من أئمة الإسلام ، وشأن أقواله شأن أقوال أئمة السنة ، ما كان من حق ّ قبلناه ، ورفعناه على رءوسنا ، و ما كان من خطإ فهذا مردود ، كل يؤخذ من قوله ويردّ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. .فالقول بأن نُحبَّه على قدر ما عنده من سنة، ونُبغضه على قدر ما عنده من البدع ، هذا الكلام لا يوجد عند السلف وقد ناقشنا هذه الفكرة في بعض الكتابات، الرد على أهل الموازنات ، ومن يتعلق بالموازنات ، ويتستر بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية الذي يرى أن الانسان يُحَبُّ على قدر ما عنده من السنة ، ويُبغض على قدر ما عنده من البدع. ورددنا على هذه الأشياء بكلام السلف ، ومواقفهم ، بل بإجماعهم، أسأل الله أن يُثبتنا على السنة .
كيف نحب الروافض على ما عندهم من الكفريات وهم يبغضوننا أكثر من بُغض اليهود لنا ، كيف نُحبهم؟ ونقسم الحب بيننا وبينهم؟ الشاهد أنك تقرأ في كتب السلف جميعا ما تجد هذه الموازنات ، ونحن إذا أبغضنا أهل البدع من الصوفية وغيرهم ، وهم فِرق كثيرة ، ومن الأشعرية وغيرهم ، لا نُبغضهم مثل بُغض اليهود والنصارى، يعني أن الحب مثل الإيمان يزيد وينقص، ويتفاوت في العباد ، والبغض كذلك ، بُغضِي لليهود غير بُغضي للنصارى، غير بُغضي لأهل البدع.
وإذا اعتدى كفار اليهود والنصارى على مثل الأشاعرة والصوفية فنحن نُدافع عنهم، ونُساعدهم على مواجهة هؤلاء الأعداء ، مع بُغضنا لهم ، وهم يُبغضوننا أشد البُغض ، هم ليس عندهم هذا التوزيع، فالواجب عليهم أن يُحبونا وأن يرجعوا إلى ما عندنا ، ولكن لا حب و لا إنصاف ، بل قد يُبالغ بعض غُلاتهم فيُكفرونا ظلما وعُدوانا ، ونحن لا نُكفرهم ولا نبلغ بهم مبلغ عداوة الكافرين » [كتاب عون الباري شرح السنة للبربهاري ( 2 -981 ) للشيخ حفظه الله] .
* وقد تعلق هؤلاء المميعة في قياسهم للمبتدع على العاصي في مسألة الحب والبغض بكلامٍ لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
قال فيه:« وإذا اجتمع في الرجل الواحد: خير وشر، وبر وفجور، وطاعة ومعصية، وسنة وبدعة؛ استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر » [مجموع الفتاوى( 28 /209] .
و بكلام له آخر قال فيه رحمه الله:« قد يمدح الرجل بترك بعض السيئات البدعية والفجورية لكن قد يسلب مع ذلك ما حمد به غيره على فعل بعض الحسنات السنية البرية، فهذا طريق الموازنة و المعادلة، ومَنْ سلكه كان قائماً بالقسط الذي أنزل الله له الكتاب والميزان »[مجموع الفتاوى(10/366)].
هذا هو مستند أهل التحزب في إلحاق المبتدع بالعاصي في مسألة الحب والبغض .
وقد تولى الأخ الفاضل الشيخ رائد آل طاهر حفظه الله في مقالٍ له نفيس إبطال هذا الاستدلال الحزبي، وتوجيه كلام شيخ الإسلام رحمه الله التوجيه الصحيح الذي يتفق مع مئات النصوص المنقولة عنه في بغض أهل البدع ومعاداته وذمهم وهجرهم .
فقال وفقه الله:« وقد استغل مميعة العصر هذا الأصل استغلالاً فاسداً يدخل من باب تحريف الكلم عن مواضعه، فزعموا أنَّ أهل البدع يُحبون ويوالون ويمدحون ويكرمون من جهة موافقتهم للسنة، ويبغضون ويعادون ويذمون ويهانون من جهة ابتداعهم ومخالفة السنة، وزعموا أنَّ هذا من باب القياس على أهل المعاصي الشهوانية، أو أنه لا فرق بين المبتدع والعاصي في ذلك لكونهم جميعاً يدخلون في فسَّاق أهل الملة.
ثم لما أصَّلوا هذا الأصل الفاسد ذهبوا يبحثون في الكتاب والسنة وأقوال الأئمة والعلماء من سلف الأمة الصالح ليستدلوا به فلم يجدوا ما يؤيد باطلهم!، فأكثروا البحث في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فما وجدوه إلا مبغضاً لأهل البدع معاد لهم منكِّلاً بهم محذِّراً منهم على وجه الإطلاق والتعيين.
لكنهم وجدوا له كلاماً مشتبهاً في موضع ما ففرحوا به كثيراً ونشروه في مواطن عديدة على اختلاف أصنافهم وأشكالهم...» ثم ذكر كلام شيخ الإسلام الذي أثبتنا مُلخَّصه آنفًا..ثم قال:« فحمل أهل التمييع هذين النقلين على أهل البدع!، و زعموا أنَّ المبتدع الذي يوافق أهل السنة في بعض المسائل يحب ويوالى ويمدح من هذه الجهة، ويبغض ويعادى ويذم من جهة ابتداعه ومخالفة السنة.
وليس لهم في ذلك حجة إلا الهوى أو الجهل!.
وإنما كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيمَنْ كان من أهل السنة وعنده بدعة وقعت منه عن اجتهاد أو تأويل أو شبهة؛ مثل أبي إسماعيل الهروي صاحب "منازل السائرين"...» ثم نقل عن شيخ الإسلام من كتابه [منهاج السنة] ما يدل على صدق دعواه، ثم قال: « فشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يتكلَّم عن شخص واحد تجتمع فيه السنة والبدعة، وهذا الوصف لا يُطلق إلا على مَنْ كان من أهل السنة لكنه وقع في بدعة عن اجتهاد سائغ، لأننا لو جوَّزنا إطلاق هذا الوصف على أهل البدع أيضاً؛ لما خرج أحدٌ منهم من السنة؛ مهما كانت بدعته ما لم تكن مكفِّرة، فما من صاحب بدعة إلا وله موافقة للسنة في أشياء قلَّت أو كثرت، فهل يُقال: أنَّ أهل البدع - غير المكفِّرة - كلَّهم يوالون ويحبون من جهة!؛ ما دامت عندهم موافقة للسنة ولو كانت يسيرة؟!
فإنْ قال أهل التمييع: نعم!
فنقول لهم: إذاً هنيئاً للشيعة والمعتزلة والخوارج والقدرية والجبرية والمرجئة والأشاعرة والصوفية وغيرهم من الطوائف والفرق قديماً وحديثاً بهذه المحبة والموالاة منكم!!!.
وهذا هو أصل التمييع وحقيقته الذي يحاربه السلفيون اليوم، فليفطن الشباب السلفي لذلك » .
ثم ذكر فروقًا مهمة بين(المبتدع) و (العاصي) في مسألة الحب والبغض، آثرت عدم نقلها طلبًا للاختصار فليراجعها من شاء لأهميتها .
[انطر: مقالا بعنوان "إعلامُ النَّبْهِ أَنَّه لا يقاس (المبتدعُ) على (العاصي) في (المحبةِ والموالاةِ مِن وَجْهِ)" في شبكة سحاب السلفية ] .
* بَلدِيُّ الرَّجل أعلم بِبَلدِّيِّه *

من القواعد المقررة عند أهل السنة في باب الجرح و التعديل: أنَّ بلديَّ الرَّجل أعلم بِبَلديِّه، و بالتَّالي فقوله فيه مُقدَّمٌ على قول غيره، لأنَّ أهل مكة أدرى بشعابها، و أهل البيت أدرى بما فيه، و دلائل هذه القاعدة من كلام السلف و تطبيقاتهم لا تكاد تُحصى، غير أنَّ بعض أهل التَّحزُّب و الرَّدى قد سعوا إلى ليِّ عُنقِ هذه القاعدة و استغلالها لصالحهم، و استخدامها لنصرة متبوعيهم و المحاماة عنهم .
فإذا جاءهم كلامٌ لبعض علماء السنة في التحذير من أحد رموزهم، قالوا: نحن أعلم به من العالم أو الشيخ الذي حذَّر منه! فلا نقبل قوله فيه! و قصدهم من ذلك ردُّ جرح العلماء في متبوعيهم و إسقاطه، و الانتصار لكبرائهم، و أنَّى لهم ذلك .
فإنَّ هذه القاعدة عند أهل السنة إنَّما يؤتى بها في حال اختلاف العلماء في شخص مجهول غير معروف، فهنا نُقدِّم بلدي المجروح فهو أعلم به من غيره.
فتكون هذه القاعدة كالقرينة القوية على ترجيح قول بلدي الرجل في بلديِّه، على قول غيره فيه، بشرط أن يكون بلدي الرجل هذا من الثِّقات المتأهلين للكلام في باب الجرح والتعديل .
كما يُشترط لإعمالها أن لا يكون الجرح في البلديِّ واضحًا مفسَّرًا، فإن كان الجرح في البلدِيِّ من غير بلديِّه مُفسَّرًا مُدلَّلًا بالبراهين و الأدلة الواضحة، فلا مجال هنا للعمل بهذه القاعدة، بل يجب المصير إلى قول الجارح للقاعدة الأصلية في باب الجرح و التعديل: أن الجرح المفسر مقدم على التعديل .
[ينظر مقال للشيخ علي الحذيفي اليمني بعنوان "من مسائل الجرح والتعديل توضيح قاعدة : ( بلدي الرجل أعلم به من غيره )"، و مقال للشيخ أحمد بازمول بعنوان " الأجوبة المسددة " ].
و مما يُنبَّه له كذلك بعض الصُّور التي لها دخلٌ و علاقة بهذه المسألة، ومنها:
طعن بعض الجهال و النكرات في بعض الدعاة السلفيين المعروفين لدى المشايخ، و المُعدَّلين من قِبلهم، بدعوى أنهم أعرف بهؤلاء الدعاة ممن زكاهم من المشايخ! و قصدهم إسقاط تزكية المشايخ، و إثارة الفتنة في أوساط السلفيين .
فنقول لأمثال هؤلاء: لقد سبق ذكر الشَّرط الذي يُقبل به كلام البلديِّ في بلديِّه جرحًا و تعديلًا، ألا وهو الأهلية و أن يكون البلدي ممن يعتد بقوله في هذه المسائل، فمن كان من الجهال النكرات فلا يُقبل كلامه في المعروف، و مثله من كان ضعيفًا أو مجروحًا بفسق أو فحش أو سوء خلقٍ ونحو ذلك من الخوارم فمثله لا يقبل كلامه حتى في المجاهيل فكيف بالثِّقات المعدلين!؟
و ذلك لأنه ضعيفٌ أو مجروح؛ والعلماء لا يقبلون جرح المجروحين والضعفاء، ففي " تهذيب التهذيب "(1/36) للحافظ ابن حجر قال: بعد أن نقل كلام الأزدي في أحمد بن شبيب الحبطي: أنه منكر الحديث، قال: « لم يلتفت أحد إلى هذا القول بل الأزدي غير مرضي»، وقال في " هدي الساري"(ص386):« لا عبرة بقول الأزدي لأنه هو ضعيف، فكيف يُعتمد في تضعيف الثقات ؟!».
آخره، و العلم عند الله تعالى، و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
... يتبع بمشيئة الله تعالى و قوته .
http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=19377

احذروا هذه المداخل الحزبية من خلال بعض القواعد السلفية(الحلقة الثالثة)




الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين و بعد: فهذه الحلقة الثالثة من مقالنا الذي بعنوان " احذروا هذه المداخل الحزبية من خلال بعض القواعد السلفية ".
** أخذ العلم والدين عن الأكابر **

التماس العلم والدين عند الأكابر إن كانوا متوافرين هذا هو الأصل عند أهل السنة، لا يتمارى فيه اثنان، فعن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قال- رسول الله صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- :«البركة مع أكابركم »[صححه العلامة الكبير ناصر الدين الألباني في " الصحيحة "( 1778)] .
** قال عبد الله بن المبارك:« لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم وعن أمنائهم، فإذا أخذوا من صغارهم وشرارهم هلكوا »[" أخرجه ابن عدي في الكامل (1/157) والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى (217رقم275) ] .
وكلام أهل العلم و وصاياهم بأخذ العلم والدين عن الكبار أشهر من أن يُذكر .
إلا أن أهل التُّحزُّب والهوى قد حاولوا بمكرهم استغلال هذه المسألة، حمايةً لأنفسهم من نقد مشايخ السنة لهم ، فأسقطوا جرحهم لهم،- ولمن هم على شاكلتهم- القائم على الحجج والبراهين، بحجة أنهم ليسوا من العلماء الكبار!! فلا يؤخذ بجرحهم و تحذيراتهم .
وبمثل هذه الشبهة حاول الحدادي فالح الحربي التنصلَ من جرح أهل السنة له، وإسقاطه .
قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله:« وفالح لمَّا ذكر النجمي وزيداً ومحمد هادي وغيرهم طعن فيهم وأخرجهم من زمرة العلماء؛ لأنَّهم ليسوا في هيئة كبار العلماء!!.. .- ما شاء الله- النَّجمي و زيد وفلان و فلان طردهم فالح من زمرة العلماء لماذا؟ لأنَّهم ليسوا من هيئة كبار العلماء ومعلوم أنَّ فالحًا لا يحترم هيئة كبار العلماء وغيرهم بل هو يطعن فيهم وهذا شيء متواتر عنه...يريد أن يجعل من مناصب هيئة كبار العلماء صَوْلجاناً لمطاردة علماء السنَّة الذين أدانوه بمخالفة منهج السلف، فأخرجهم بهذا الصولجان من زمرة العلماء،.. .
أنا أريد أن أسمِّي وأقول: فلان وفلان من تلاميذ الشيخ النَّجمي، كيف يقول إنَّ علماء الهيئة معتبرين والشيخ النَّجمي وإخوانه غير معتبرين؟!.. إنَّها لموازين حدادية فاسدة »[ انظر: "مجموعة كتب ورسائل الشيخ " (9/440-441) ].
** و قال الشيخ محمد بن عمر بازمول في رسالته "عبارات موهمة":« من العبارات الموهمة:
قول بعضهم: « هذا الشيخ ليس من العلماء الكبار ».
هذه الكلمة يرددها بعض الناس إذا أراد أن يرد كلاماً قاله أحد المشايخ، أو إذا أراد أن يصرف أحداً عن السماع لهذا الشيخ أو الأخذ منه؛ وخاصة فيما هو من باب إنكار المنكر والتحذير من البدع والتنبيه على الخطأ.
وهذا من الباطل، الذي هو من نفثات الشيطان، ليصرف عن السماع للحق أو قبوله، وهي كلمة مردودة من وجوه..
منها: أن هذه الكلمة أصبحت من معاول الهدم عند أهل البدع يردون بها كلام أهل السنة والجماعة، فكل عالم يحذر من بدعة يقعون فيها أو من خطإٍ يتجارون فيه، يدفع كلامه ويحذر منه بأنه ليس من العلماء الكبار؛ فينبغي مخالفة أهل البدع والحذر من مناهجهم التي يحاربون بها الحق وأهله.
و منها: أن معنى هذا الكلام أن لا حق في إنكار الخطأ الذي يقع فيه هؤلاء الذين يسمون بالدعاة، أفراداً أو جماعات إلا لمن كان عندهم من العلماء الكبار، وهذا غير صحيح..
و منها: أن العالم حينما يذكر لك بدعة أو خطأ وقع فيه هذا الرجل أو ذاك، فإنه يخبرك عن حاله، وخبر الثقة مقبول، إلا أن يعارضه خبر مثله، و لا يشترط في ذلك أن يكون الرجل من العلماء المشهورين أو أن يكون من العلماء الكبار، إذ هذا لم يذكره الأئمة في شروط قبول الخبر! فالقول به خروج عن ما قرره أهل العلم!
و منها: أن واقع حال قائل هذه الكلمة يدل على أنه يريد فقط تقرير البدعة وترك إنكارها، لأنك حتى لو جئت له بكلام أهل العلم الكبار في رد هذا البدعة، أو هذه المقالة الباطلة، أو في توضيح خطأ هذا الرجل أو ذاك، لرده أيضاً ولكن بمقولة أخرى كأن يقول:
يا أخي هذا الشيخ يؤثر عليه الذين حوله، أو يا أخي لا تفتشوا عن عقائد الناس وأخطائهم، أو يا أخي إسقاط الرموز أمر ليس بالهين، أو أنا غير ملزم بكلام هذا الشيخ، أو نحو هذه العبارات؛ والنتيجة أن يستمر الباطل وتستمر الدعوة إلى هذا الشخص وبدعته، ويمرر دعاة الباطل ويلمعون على حساب السنة وأهلها » .

** لا تقل بقول ليس لك فيه سلف **

منهج أهل السنة قائمٌ على الاتباع لا الابتداع، ومن هنا قالوا: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام، أو تقول بقول في الدين لم تُسبق إليه، فإنه يسعك ما وسع السلف .
سُئل العلامة ربيع المدخلي حفظه الله وجعل الجنة مثواه: هل يشترط لكل مسألة سلف، نرجو التفصيل؟
فأجاب:« نعم، هذا الأصل في أمور الدين أنه لابد من سلف في أمور العقيدة، وأمور المنهج، لابد من سلف، وكلام الإمام أحمد رحمه الله في هذا مشهور: « إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام »[انظر: "مجموعة كتب ورسائل الشيخ " (15/28)].
** ومن مكر أهل التحزب والهوى وخديعتهم لمن يثق فيهم تظاهرهم بالسير على هذا الأصل السلفي، وبأنهم لا يخرجون عن أقوال العلماء، ولا يقولون إلا بقول سُبقوا إليه، ويُلبِّسون على الناس بأنهم مسبوقون بفلانٍ وفلانٍ من العلماء، فيما ذهبوا إليه، فيجعلون زلَّات بعض العلماء في الثناء على بعض أهل البدع حجة لهم في الدفاع عنهم والتعصب لهم، و رفض جرح من جرحهم من علماء السنة .
كما أنهم يجعلون سكوت بعض العلماء وعدم تبديعهم لبعض الحزبيين حجةً لهم أيضًا في عدم تبديعهم، بل والأخذ عنهم، مع أنه قد بُدِّعوا من قبل غيرهم من علماء السنة ومشايخها، وهم في كلِّ هذا يتلاعبون بعقول الناس ويدَّعون أنهم مسبوقون إلى مثل هذه المواقف، وبأنَّ لهم سلفًا فيها، دفعًا لإنكار أهل السنة عليهم، وتمترسًا منهم بزلات العلماء .
قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله: « ويجب أن يعلم علماؤنا الأفاضل أن لأهل الأهواء والتحزب أساليب رهيبة لاحتواء الشباب، والتسلط والسيطرة على عقولهم، ولإحباط جهود المناضلين في الساحة عن المنهج السلفي وأهله.
من تلكم الأساليب الماكرة: استغلال سكوت بعض العلماء عن فلان و فلان، ولو كان من أضل الناس، فلو قدم الناقدون أقوى الحجج على بدعه وضلاله فيكفي عند هؤلاء المغالطين لهدم جهود المناضلين الناصحين: التساؤل أمام الجهلة؟ فما بال فلان وفلان من العلماء سكتوا عن فلان وفلان؟! و لو كان فلان على ضلال لما سكتوا عن ضلاله؟! وهكذا يلبسون على الدَّهمَاء ؛ بل وكثير من المثقفين .
وغالب الناس لا يعرفون قواعد الشريعة ولا أصولها التي منها: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفايات، فإذا قام به البعض سقط عن الباقين.
ومن أساليبهم: انتزاع التزكيات من بعض العلماء لأناس تدينهم مؤلفاتـهم ومواقفهم ونشاطهم بالبعد عن المنهج السلفي، ومنابذة أهله وموالاة خصومه وأمور أخرى .
ومعظم الناس لا يعرفون قواعد الجرح والتعديل، وأن الجرح المفصل مقدم على التعديل؛ لأن المعدل يبني على الظاهر وعلى حسن الظن، والجارح يبني على العلم والواقع، كما هو معلوم عند أئمة الجرح والتعديل.
وبـهذين الأسلوبين وغيرهما، يحبطون جهود الناصحين ونضال المناضلين بكل سهولة ويحتوون دهماء الناس بل كثير من المثقفين، ويجعلون منهم جنودًا لمحاربة المنهج السلفي وأهله والذب عن أئمة البدع والضلال.
وما أشد ما يعاني السلفيون من هاتين الثغرتين التي يجب على العلماء سدهما بقوة وحسم لما ترتب عليها من المضار والأخطار »[ انظر: كتاب "
«الحد الفاصل بين الحق والباطل »" (ص170) ] .
** وقال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله في سياق رده لأباطيل المأربي أبي الحسن، الذي كان ممن يستخدم هذا الأسلوب الحزبي:« والحقيقة أن الرجل يخفي شرًّا عظيمًا من وراء هذه الفقرة، إنه يريد بها: أنه إذا وقع في باطل، أن يذهب تحت ستارها يبحث وينقب عن هفوات وأخطاء بعض العلماء فإذا وجد ما يشبه باطله من كلامهم فرح به مهما ابتعد عن الحق والصواب، وذهب يصول به ويجول على من ينتقد أخطاءه ولو كان معه الحجج الواضحة والبراهين الساطعة ولو كان معه الصحابة والتابعون وأهل السنة أجمعون .
إن هذه الفتنة قد أعدَّ لها أبو الحسن العدة ومنها ما يخفيه من وراء هذه القاعدة من الشر.. سائراً في كل ذلك خلف من ذكرنا، وتحت ستار المصلحة وتحت ستار: قد سبقني إلى ذلك فلان وفلان، تاركاً للعلماء ولأدلتهم من الكتاب والسنة الواضحة وأقوالهم الصحيحة الراجحة التي لا تقيم لقيوده وزناً.. .
ومتستِّرًا وراء بعض هذه العبارات التي صدرت ممن يحارب هذا المذهب الفاسد كعادته في تصيد الزلات ليدعم بها الضلالات »[ انظر: "مجموعة كتب ورسائل الشيخ " (13/452-453) ] .
** و قال الشيخ ربيع حفظه الله:« هذه سبع مسائل تمت مناقشة أبي الحسن فيها جعلتها نموذجاً لمسائل كثيرة لم أناقشها..
دع عنك التركيز على التشويه الظالم ومحاولة إسقاط علماء السنة.. ثم سيره على أصول فاسدة في حربه لأهل السنة سبقت مناقشتها في غير هذا البحث وله في اللجاج أصول جديدة :
مثل أصله: « وقد سبقني إلى هذا فلان » .
« وقد مر ذلك على الشيخ ربيع وغيره ولم ينتقدوه »
قال هذا في مماحكته لابن عثيمين .
« ووقف فلان وفلان على كلامي هذا ولم ينتقداه » .
« وقد اطلع على كلامي هذا العلماء ولم ينتقدوه » .
يقول مثل هذه المقالات لرد الحق، سواء ناقشه ربيع أو المفتي أو الشيخ محمد بن صالح العثيمين، ويجعل مثل هذه الأقوال المتهافتة حججاً يقاوم بها من ينتقده بحق.
وكل هذا مع دعاواه العريضة هو وشيعته، بأنهم لا يقلدون وأنهم أصحاب الدليل..و يتشبَّثُون بالأقوال الباطلة تحت ستار: سبقني فلان ..إلخ، وهذا من شر أنواع التقليد المذموم الذي لا يصدر إلا عن تلاعب وسوء مقاصد »[ انظر: "المرجع السابق" (13/537-538) ] .

** الدعوة إلى الاجتماع و نبذ الفرقة **

* الدعوة إلى الاعتصام بالكتاب والسنة و الاجتماع عليهما، و نبذ الفرقة والخلاف، والقضاء على أسبابهما، يعتبر من أصول الدعوة إلى الله، عند أهل السنة والجماعة .
وأدلة هذا الأصل من الكتاب والسنة وأقوال السلف، لا تكاد تحصى كثرة .
ومن تلبيسات أهل التحزب: تظاهرهم بالدعوة إلى هذا المقصد الشريف، و العمل على جمع كلمة الأمة و السعي في توحيد صفوفها، لكن على ماذا؟ هل على الحق والهدى كما هو حال أهل السنة؟ كلَّا؛ بل لا همَّ لهم إلا مجرد اللفلفة والتجميع، ولو على حساب الحق، ولو مع تناقض العقائد والمناهج وتنافر القلوب.
ومن أجل ذلك أصلوا الأصول الفاسدة، وقعَّدا القواعد الكاسدة ومنها قولهم: « نتعاون في ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه »، .
وانطلاقا من هذه القاعدة دعوا إلى التآخي بين جميع المسلمين سنيهم وبدعيهم، وأقاموا المؤتمرات للتقريب بين السنة والشيعة، كما أنهم أعرضوا عن الدعوة إلى التوحيد بدعوى أنها تفرق المسلمين، و بنفس هذه الحجة اعترضوا على أهل السنة وأنكروا عليهم قيامهم بواجب النصح والرد على المخالفين، حفاظًا على وحدة الأمة واجتماعها بزعمهم، إلى غير ذلك من المقاصد الباطلة التي يُخفونها وراء هذا الشعار، و يدسونها خلف هذا الأصل .
قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله:« إن الأحزاب السياسية المعاصرة بما فيهم الإخوان المسلمون وفصائلهم، والفرق الضالة بما فيهم جماعة التبليغ يريدون أن يبقى هذا الظلام مخيما في العالم الإسلامي مطبقا عليه لا يحركون ساكنًا ضده وليس لهم إرادة في تبديده، وليس لهم نهج يدفعهم إلى إزاحته وإحلال التوحيد ونور الكتاب والسنة بديلاً عنه، فهم يحافظون على هذا الظلام ولا سيما ظلام الرفض والتصوف بحجة أنهم يحاربون أعداء الإسلام وهم ليسوا كذلك وبحجة «نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه »، وبحجة تجميع المسلمين بما فيهم الروافض ومن غلاة الصوفية لمواجهة أعداء الإسلام »[نقلا عن مقال: نور السنة والتوحيد عند أهل الحديث، وظلمات البدع والأهواء تخيم على غيرهم ] .

** التزام الحكمة في الدعوة إلى الله **

التزام الحكمة في الدعوة إلى الله أمرٌ مطلوب، وهو أصلٌ من أصول الدعوة عند أهل السنة والجماعة، استنادًا منهم إلى قوله تعالى: ( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) .
وقد بين الإمام ابن القيِّم –رحمه الله- معنى الحكمة في الدعوة إلى الله كما في كتابه [مدارج السالكين(2/499)] بكلامٍ مختصرٍ جميلٍ حيث قال : «فالحكمة إذاً فعلُ ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي »انتهى .
ومن ذلك وضع اللِّين في وضعه، و وضع الشِّدَّة في موضعها، و جدال من يستحق الجدال بالتي هي أحسن، والتحذير ممن يستحق أن يُحذَّر منه، إلى غير ذلك مما تقتضيه الحكمة في الدعوة إلى الله .
و قد تظاهر أهل التحزب باستخدام أسلوب الحكمة في دعوتهم، ونادوا به كثيرًا وكثيرًا، وأفرطوا من الدندنة حوله، وسمُّوا أنفسهم أهل الحكمة و الوسطية .
فما هي الحكمة المطلوبة في الدعوة إلى الله على مقاييس أهل التحزب إذًا؟
الجواب: هي اللِّين ثمَّ اللِّين ولو مع أعداء الحق و السنة .
الحكمة في اصطلاحهم المعوج هي المداهنة للمبطلين والمخالفين والسكوت عن أباطيلهم وضلالاتهم وعدم الإنكار عليهم، ومن هذا المنطلق اعتبروا شدةِ أهل السنة على أهل البدع وهجرهم و نقدهم و التحذير منهم منافٍ للحِكمة التي لم يفهموا منها إلا التمييع والمداهنة .
قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله:« في هذا العصر أناس ينتهجون المنهج السلفي؛ فيذهبون يسلكون مسالك السياسيين في التهويل والتمييع والمداهنات ويسمون هذا حكمة .
أو شدة تهلك المنهج السلفي وتأخذ بخناقه وتشوهه وتنفِّر الناس منه، فلا هذا ولا ذاك؛ وإنَّما الاعتدال هو الذي يؤتي ويعطي الدعوة السلفية الصورة اللائقة بها من جمالها وحسنها ويسرها وبعدها عن المنفرات.. .
ويفهم بعض الناس من التيسير أنَّه المداهنة فيسلكون طرق المداهنة، ويفهم من الحكمة التي أمر الله بها يفهم منها أنَّها هي المداهنة، والطرق السياسية التي تقتل الإسلام فلا هذا ولا ذاك »[ "مجموعة كتب ورسائل الشيخ"( 4/138-139)]

** مراعاة مصلحة الدعوة **

مراعاة مصالح الدعوة أمرٌ لازمٌ على الدعاة، إلا أن أهل التحزُّب قد اتخذوا من مصطلح « مراعاة مصالح الدعوة » طاغوتًا يُبرِّرون به ضلالاتهم وانحرافاتهم .
وفي بيان استغلال المبتدعة لهذا المصطلح، لابأس أن أنقل كلامًا مهمًّا للشيخ الفاضل محمد بن عمر بازمول من رسالته« عبارات موهمة »، حيث قال(ص13):« ومن هذه المقولات الموهمة:
قول بعضهم: « مصلحة الدعوة تقتضي ذلك ».
يقولون ذلك في مقامات يبررون فيها مخالفتهم لشرع الله تعالى، والخروج عن سنته صلى الله عليه وسلم، فصارت هذه الكلمة طاغوتاً يبرر لهم المخالفات الشرعية!
وهذه الكلمة إذا استعملت في محلها بحسب الشرع لا بأس، أمّا إذا استعملت تبريراً للخروج عن الشرع، فإنها تؤول إلى القاعدة الميكافيلية: « الغاية تبرر الوسيلة»
كيف يكون من مصلحة الدعوة مخالفتها؟ وهل يصح أن يقول مسلم: أنا أسرق لأتصدق؟! الجواب: لا يصح ذلك؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.
ويكرر بعض المشتغلين بالدعوة كلمة (مصلحة الدعوة)، وقد يتخذها بعضهم
سُلّماً يتوصل به إلى تحقيق أهداف أو تصورات فردية له، أو أهداف لجماعة أو حزب ينتمي إليه، فيتوصل باسم الدعوة إلى ذلك!
والحقيقة إن مصلحة الدعوة محكومة بالشرع، وإهدار الشرع في ذلك هو إهدار للدعوة، ووقوع في مستنقع النفعية، حيث تكون الغاية تبرر الوسيلة!
ولذلك ضبط العلماء المصلحة المعتبرة شرعاً، بأنها المندرجة تحت مقاصد الشرع، ولا تعارض الكتاب والسنة، والقياس الصحيح، ولا تفوت مصلحة أهم منها!
فهل يصح أن يقال: يجوز الكذب والغيبة والنميمة لمصلحة الدعوة؟!
هل يجوز أن تؤكل أموال الناس بالباطل بدعوى مصلحة الدعوة؟!
هل يصح أن تزيف الحقائق ويكتم الحق بدعوى مصلحة الدعوة؟!
سبحان الله!! كيف يستقيم الظل والعود أعوج؟!.. مصلحة الدعوة هي في تطبيق الشرع.. ومراعاة المصلحة من الدين، بل إن مقاصد الشرع تدور على جلب المصالح ودفع المفاسد، ولكن إذا لم يكن الداعية مقيداً نفسه بشرع الله، فإن ضابط المصلحة عنده يصيبه من الخلل ما الله به عليم، فيعود لا يرى مصلحة إلا في حدود ذاته وتحقيق الرياسة لها، أو مصلحة جماعته أو تنظيمه الذي ينتمي إليه، وصار ولاؤه لغير الله ورسوله من حيث لا يشعر!
أمّا أن يأتي الشخص لأمر فيه تحقيق مصلحة لنفسه أو لجماعته أو لمن يحب، فيقول: هذا من مصلحة الدعوة، فلا! »انتهى .
يتبع..بإذن الله .
http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=16259

احذروا هذه المداخل الحزبية من خلال بعض القواعد السلفية (الحلقة الثانية)




الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين و بعد: فهذه الحلقة الثانية من مقالنا الذي بعنوان " احذروا هذه المداخل الحزبية من خلال بعض القواعد السلفية " .
ونستهله بعون الله بمسألة:
** الترحم على أهل البدع والصلاة عليهم **

الترحم على أهل البدع جائزٌ عند أهل السنة، وكذا الصلاة عليهم ما دام أنهم في دائرة الإسلام، ولا يتنافى ذلك مع هجرهم وتحذير الناس منهم .
سُئل العلامة – الربيع - بن هادي المدخلي حفظه الله: هل يجوز الترحم على أهل البدع؟
فأجاب وفقه الله:« أما الترحم على أهل البدع؛ فإنه يجوز الترحم عليهم، وهذا شيء عليه السلف الصالح، ومنهم أحمد بن حنبل، ودل على ذلك نصوص من كتاب الله تبارك وتعالى ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم »[ انظر: " مجموعة كتب ورسائل الشيخ "(14/159) ] .
** إلا أن السلف قد استحبوا لمن كان عالمًا مُتَّبعًا مُقتدًى به بين الناس أن يترك الصلاة عليهم تأديبًا و زجرًا، وردعًا للناس عن مثل حالهم .
سئل العلامة ربيع السنة المدخلي حفظه الله: ما هو ضابط أهل السنة والجماعة في الصلاة على أهل البدع، وهل يجوز الترحم عليهم؟
فقال:« السلف إذا درست كتبهم تراهم في الأمور الظاهرة، إذا وقع الإنسان مثلًا في القول بخلق القرآن، أو عطل صفات الله، الأمور الظاهرة، إذا وقع فيها فإن السلف يبدعونه، ويشددون في ذلك إلى حد التكفير .
أما قضية الترحم؛ يرون الصلاة على أهل القبلة جميعًا، ما داموا من أهل القبلة، ويصلون إلى هذه القبلة، هذا كثير وموجود في كتب السلف، والصلاة ترحم عليهم، لكن إذا كان هناك إمام متَّبَع فله أن لا يصلي على هذا المبتدع حتى يعرف الناس حقارة البدعة، وأما سائر الناس فلهم أن يصلو على هذا المبتدع؛ بل يجب عليهم؛ لأنه من فروض الكفايات أن يصلوا على هذا المسلم ولو كان مبتدعًا، ولهم أن يترحموا عليه، وإذا كان هناك إنسان متبع ويريد أن يؤدبه فلا يترحم عليه، ولكن لا يُحرِّم الترحم ولا يمنع منه »[ انظر: "المرجع السابق"(15/319) ] .
** وقد حاول أهل التحزُّب استغلال هذه المسألة، - بل استغلُّوها -، لتلميع أهل البدع والثناء عليهم وتمجيدهم، كما فعل أبو الحسن المأربي فيما نقله عنه العلامة ربيع المدخلي حفظه الله، حيث قال: « الحقيقة أن الإخوان المسلمين على يعني ما فيهم وما قدموه من أجل الدعوة إلى الله عز وجل، رحم الله أمواتنا وأمواتهم وأموات جميع المسلمين وأسأل الله أن ينزلهم منازل الشهداء ويرفعهم عنده سبحانه وتعالى في منازل عالية..» .
قال الشيخ ربيع أيَّده الله معلِّقًا على كلام أبي الحسن هذا:« الترحم على أهل البدع جائز عن أهل السنة وأنت تتكىء على هذا، لكن تطبيقك بهذه الحرارة والمبالغة ينبىء عن دوافع غير سلفية ، فأهل السنة الصادقون لا تجد عندهم هذه الروح ولا هذه المبالغات التي قد لا يقولونها في كبار أهل السنة »[ انظر: "المرجع السابق"(13/334-335) ] .
** ومن باب الفائدة- والشيء بالشيء يذكر: فإن الذين حرَّموا الترحم على أهل البدع، ومنعوا منه مطلقًا، هم الحدادية الغلاة، و قد عدَّ حامل راية الجرح والتعديل ذلك من علاماتهم وميزاتهم التي تميزوا بها واشتهروا بها بين الناس، فقال حفظه الله في مقال بعنوان: "صفات الحدادية" وذكر منها:
- تحريم الترحم على أهل البدع بإطلاق، لا فرق بين رافضي وقدري وجهمي وبين عالم وقع في بدعة .
- تبديع من يترحم على مثل أبي حنيفة والشوكاني وابن الجوزي وابن حجر والنووي...»[ انظر: "المرجع السابق"(9/470) ] .
** كلام الأقران يُطوى ولا يُروى **
هذه القاعدة عند أهل السنة ليست على إطلاقها، فإن كلام الأقران بعضهم في بعض إنما يُطوى ولا يُروى إذا لاح فيه البغي، وعُلم أنه ناتجٌ عن حسدٍ وتنافس وحظوظ النفس، فإن خلا من ذلك، وكان بدافع الديانة، فهو مقبول إن صدر من أهلٍ له، بأدلته.. .
** إلا أن أهل التحزُّب والهوى قد حاولوا التمترس بهذه القاعدة، والتسلل من خلالها لرد جرح علماء السنة في أهل البدع المؤيَّد بالحجج والبراهين، ، بدعوى أنه من كلام الأقران بعضهم في بعض، فلا يُؤخذ به, و يُطوى ولا يُروى .
وفي كشف ستر أهل التحزُّب وفضح مقاصدهم بهذه القاعدة يقول العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله مجيبًا على سؤال هذا نصُّه: ما تعريف الأقران في علم الحديث؟ و هل إذا طبقت قاعدة : كلام الأقران يطوى و لا يروى، أعددنا ذلك التطبيق طعنا في الشيخين؟
فكان مما أجاب به حفظه الله أن قال:«..كتب الجرح و التعديل مليئة بالأقران، فلو أخذنا بهذه القاعدة ما قدمنا شيئًا، فهذه يلبس بها أهل الباطل،...البعض يُلبِّسُون بها لإسقاط نقد أهل السنة في أهل البدع، فإذا كان واحد مبتدع ضال.. بذاته نقول هذا أقران،...وإلا ابن عثيمين على المالكي وأمثاله نقول.. أقران؟ كلام سخيف! بارك الله فيكم، ومن يتكلم في الخميني نقول أقران؟ ها.. من يتكلم في سيد قطب نقول أقران؟ وهو يسب الصحابة و يطعن في الأنبياء وإلخ ... .
على أن نقد العلماء لأمثالهم الأصل أنهم يأخذوه من الكتب بارك الله فيكم، قال فلان في الكتاب الفلاني في الصفحة الفلانية، يعني كلام مدلَّل مثبَّت موثق، كيف نقول هؤلاء الأقران يلغى كلامهم؟ ممن يسب أبو بكر و عمر مثلا، أو يسبّ عثمان، و أنقل كلامه، و أقدمه للناس تحذيرًا من كتابه و من شخصه أيضا، يُقال هذا كلام أقران؟ هذه كلها من تلبيسات أهل البدع و الضلال، و من التمييع أيضا في نفس الوقت ...»[ من " شريط سمعي" في موقع الشيخ حفظه الله في الكلام على فتنة فالح الحربي] .

** قبول الحق من كل من جاء به ورد الباطل على كل من قال به **

من تعظيم أهل السنة للحق أنهم يدورون معه حيث دار، ويقبلونه من كلِّ أحد لا لشيء إلا لأنه الحق، كما أنهم يرفضون الباطل والخطأ و لا يقبلونه و يردُّونه على قائله ومن جاء به كائنًا من كان، ولذا؛ تجدهم يعرفون الرجال بالحق، ولا يعرفون الحق بالرِّجال .
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله كما في "الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة "(2/516):« فمن هداه الله سبحانه إلى الأخذ بالحق حيث كان ومع من كان ولو كان مع من يبغضه ويعاديه، ورد الباطل مع من كان ولو كان مع من يحبه ويواليه، فهو ممن هُدي لما اختلف فيه من الحق، فهذا أعلم الناس وأهداهم سبيلا وأقومهم قيلا » .
وقال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله:« أهل السنة والحمد لله هم دائمًا يدورون مع الحق، ومع النصوص حيثما دارت » [ انظر كتاب الشيخ " قرة العينين بتوضيح معاني عقيدة الرَّازيين " (ص34) ]

** وهذه القاعدة السلفية قد حاول أهل التَّحزُّب التسللَ من خلالها والدخول من بابها، و سعوا لاستغلالها في الدِّعاية لأهل البدع والضلال، فطالبوا بمعاملة المبتدعة من منطلقها، وذلك بالجلوس إليهم والقراءة في كتبهم، وأخذ ما عندهم من الحق، وترك ما سواه من الباطل، بحجة أن « الحق يقبل من كل من جاء به » .
فلماذا إذًا؛ نرفض الحق الذي مع أهل البدع ولا نجلس إليهم لأخذه؟
** هكذا يُلبِّس أهل الأهواء على الناس ويكيدون للمسلمين، فيتظاهرون بإعمال القواعد السلفية والسير على دربها، لاصطياد أهل الغفلة من المسلمين والرَّمي بهم في أحضان أهل الأهواء والبدع .
وإقفالًا لهذا المدخل الخطير الذي يتمترس به أهل التحزب وسدًّا لذرائعهم التي يتذرَّعون بها للوصول إلى مقاصدهم الخبيثة، أمر أهل السنة بهجران أهل البدع و ترك النظر في كتبهم لما فيها من الشبهات، التي تتخطف القلوب وتفسدها .
قال حامل راية الجرح والتعديل بحق –الربيع- بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى:« كثير من الناس يخدع الشباب ويقول:( اقرأ، اقرأ وخذ الحق واترك الباطل)، ويكون الشباب مساكين ما عندهم شيء، ما عندهم تمييز بين الحق والباطل، فيقع في الباطل ويظنه حقًّا، ويحارب الحق ويظنه باطلاً، وهذا حصل لكثير من الناس بهذه المصيدة .
فالسلف ما كانوا يقرءون لأهل البدع، وأُلِّفت كتب في التحذير من كتب أهل البدع، ومنها كتاب الموفق بن قدامة في تحريم النظر في كتب أهل البدع، وهناك تحذيرات من الإمام أحمد بن حنبل والذهبي وابن تيمية وابن القيم، كلهم حذَّروا من كتب أهل البدع تحذيرًا شديدًا، حذَّروا منها، وبعضهم يرى إحراقها، ومنهم ابن القيم، ومنهم أحمد بن حنبل أو إتلافها؛ لأنَّ فيها دماراً للأمة فيها إفساد .
فلما انتشرت كتب أهل البدع في أوساط المسلمين، تساهل كثير من المسلمين ووقعوا في حبائل أهل البدع، صار هذا معتزليًّا، وهذا جهميًّا، وهذا أشعريًّا، وهذا صوفيًّا، وهذا وهذا...وما بقي إلا قلة ممن يسلك مسلك السلف الصالح في هذا الخضم الهائل من أهل البدع والعياذ بالله، ما السبب؟ السبب هو مثل هذه النظرية:« أقرأ وآخذ الحق وأترك الباطل»، فيأتي فيأخذ الباطل ويرد الحق... وقد كان السلف أمثال ابن سيرين إمام من أئمة السنة، وأيوب السختياني يعرض عليهم من أهل البدع أن يقرءوا عليه آية من القرآن يقول:« ولا نصف آية» لماذا؟ يفهم أن هذا يريد أن يلبس عليه، ويتلوا الآية عليه ليستخرج منها شبهة، فيقول: « لا أسمع»، لماذا يفعل هذا؟ يقول:« إن قلبي ليس بيدي، وأخاف على نفسي الفتنة » [ انظر:" مجموعة كتب ورسائل الشيخ "(15/16-17-18) ] .
** وللفائدة وردًّا على شبهة أهل التحزُّب، فإن السلف يفرِّقون بين قبول الحق وبين التماسه وطلبه، فيقبلونه من كلِّ من جاء به وأوقفهم عليه، لكنهم لا يلتمسونه ابتداءً ولا يطلبونه من غير أهل السنة، وقاعدتهم في ذلك معلومةٌ مشهورة، وهي قولهم: «إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم » .

** التزام العدل و الإنصاف في معاملة المخالف والكلام في الرجال **

منهج أهل السنة والجماعة في الجرح والتعديل ومعاملة المخالفين، وفي جميع الميادين، منهجٌ قائمٌ على العدل والإنصاف .
يقول العلامة ربيع المدخلي حفظه الله: « الذي نعرفه عن أهل السنة العدل والانصاف، فإذا بدَّعوا أحداً من الناس فإنما يبدعونه بحق.. .
لقد كان السلف يبدعون الأفراد والجماعات بحق وعدل والسالكون على طريقهم يترسَّمون خطاهم بحق وعدل »[ انظر: "مجموعة كتب ورسائل الشيخ"(10/138-139) ] .
وقال حفظه الله:« إن أهل السنة والجماعة من أبرز صفاتهم الإنصاف والعدل.. » [ انظر: " المرجع السابق" (9/578-579)] .
** و قد رفع أهل التَّحزُّب والرَّدى شعار هذه القاعدة السلفية، وتظاهروا بهذه الميزة السُّنِّية ودسُّوا في ثناياها السُّم الزُّعاف، فأوجبوا إعمال منهج الموازنات بين حسنات المردود عليه وسيِّئاته في سياق الرد على ضلالاته والتحذير من أخطائه، كلُّ ذلك باسم: العدل والإنصاف، فزعموا بأن إغفال ذكر محاسن المردود عليه عند نقده، ظلمٌ له، وهضمٌ لحقِّه وبغيٌ عليه، ولا يُرفع عنه هذا العدوان إلا بذكر محاسنه، كلُّ ذلك يفعلونه للدفاع عن رموزهم وحمايتهم من الجرح والنقد .
وقد بيَّن العلامة ربيع المدخلي حفظه الله؛ الذي هو أول من تصدَّى لهذه البدعة بأن ما يُسمى بمنهج الموازنات المحدث لا علاقة له بالعدل والإنصاف، ولا يمتُّ إليه بصِلة، إذ لو كان من العدل والإنصاف لكان من صميم منهج السلف القائم على العدل و الإنصاف، فكيف خلا منه منهج السلف، وهل خلوُّ منهج السلف الصالح منه يدلُّ على أن منهجهم في النقد قائمٌ على غير العدل والإنصاف؟ هذا لازمٌ لأصحاب هذا المنهج لا محيد لهم عنه .
قال العلامة- الربيع- بن هادي المدخلي حفظه الله :« إن أئمة الإسلام تكلموا في أهل البدع وفي الرواة، ولم يشيروا من قريب ولا من بعيد إلى وجوب أو اشتراط هذه الموازنة، وألفوا كتبًا في الجرح والتعديل، وكتبًا في نصر السنة والرد على أهل البدع وجرحهم، وكتبًا في العلل، وكتبًا في الموضوعات، ولم يوجبوا هذه الموازنة لا من قريب ولا من بعيد، بل ألفوا كتبًا خاصة بالجرح، وخصصوها بالمجروحين أو بمن تُكلِّم فيهم بجرح، ولم يشترطوا هذا الشرط لا من قريب ولا من بعيد...
إن هذا المنهج الذي يشترط الموازنة، لمما يعود على أئمة الإسلام بالطعن، وإيقاعهم في شبك الاتهام بالظلم والخيانة، ونعوذ بالله من منهج هذه من نتائجه »[انظر: " المرجع السابق " (5/179-180) ] .
** ومن هنا يتبيَّن لنا بأن منهج الموازنات المحدث لا يدخل بأي شكلٍ من الأشكال في باب العدل والإنصاف، بل ولا هو من لوازمه، فبطل تستر أهل التحزب من ورائه لقصد تمرير بدعتهم ونشر شبهتهم .
سُئل العلامة العثيمين رحمه الله عمن يقول: إن من العدل والإنصاف عند النصيحة والتحذير من البدع وأهلها: أن نذكر حسناتهم إلى جانب سيئاتهم؟
فأجاب رحمه الله:« أقول لك : لا ، لا ، لا هذا غلط »[من شريط سمعي لعدد من المشايخ حول منهج الموازنات] .
فاحذروا معشر أهل السنة من غلَطِ ومُغالطات أهل التحزب وتفطَّنوا لمقاصدهم التي يخفونها من وراء هذه الشعارات، كما تفطَّن الإمام أحمد للجهمية لما تستَّروا ببدعة اللفظ، وتمترسوا بالقول بالوقف، في زمن المحنة .

** أخذ الناس بظواهرهم و رد سرائرهم إلى الله **

من أصول أهل السنة والجماعة أنهم يأخذون الناس بظاهر أقوالهم وأعمالهم، ويكِلون سرائرهم إلى الله تعالى، فمن أظهر لهم خيرًا أمِنوه وقرَّبوه وأثنوا عليه خيرًا، ومن أظهر لهم شرًّا لم يأمنوه ولم يقرِّبوه وإن زعم أن سريرته حسنة .
وعمدتهم في ذلك أدلة كثيرة من الكتاب والسنة، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: « إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس ولا أشق بطونهم »[الحديث: أخرجه البُخَارِيّ (4094) ، وَمُسلم (1064) عن أبي سعيد رضي الله عنه] .
ومنها ما أخرجه البخاري(2641)عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: « إنَّ أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنَّ الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرًا أمناه وقربناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته ومن أظهر لنا سوءًا لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة » .
قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله:« ومن مستنداتهم ( أي أهل السنة ) الأصل العظيم القائم على الأدلة والبراهين، ألا وهو الأخذ بالظاهر، المأخوذ من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وتطبيقاته، ومن قول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتقرير الصحابة له على هذا الأصل، وتطبيقات علماء الأمة وعلى رأسهم أئمة الجرح والتعديل »[ انظر: "مجموعة الكتب والرسائل"(13/467) ] .
** وقد حاول أهل التحزب استغلال هذا الأصل السلفي و التستر به للدفاع عن رموزهم و رؤوسهم، وطالبوا بمعاملتهم بالظاهر الذي يتظاهرون به من الصلاح والتقوى، وإحسان الظن بهم، وترك التنقيب عن أخطائهم، و اتهموا أهل السنة الذين لم ينخدعوا بظواهرهم المزيفة لما عندهم من القرائن الموجبة لسوء الظن بهم: بأنهم يخالفون أصل الأخذ بالظاهر، وبأنهم يتدخلون في النيات، ويطعنون في المقاصد، وجعلوا يُلبِّسون على الناس بهذا الهذيان .
والحق أن أهل السنة إنما بنوا سوء ظنهم بأهل التحزب، وطعنوا في مقاصد بعضهم، ولم يكتفوا بظواهرهم، لما عندهم من القرائن القوية الموجبة لذلك، ولأجل ما عند أهل التحزب من الشبه والرِّيب فكيف يُحسن الظن بمن هذا حاله، ويُكتفى بما يُظهره من الصلاح ؟.
يقول العلامة ربيع المدخلي حفظه الله:« يجب الحذر منهم غاية الحذر...وما هم فيه من الشبهات و التخبطات والانحرافات، وهم يريدون السوء لمن يثق فيهم، ولمن يجالسهم ويخالطهم؛ ولهذا تراهم يسلكون شتى المسالك لصد أهل الحق، ولا سيما الشباب عن منهج الله الحق ...
الرسول عليه السلام تلا هذه الآية:( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ) [آل عمران:7] لما تلاها قال:« فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم » . [ الحديث: أخرجه البخاري: (4547) , ومسلم: (2665) عن عائشة رضي الله عنها] .
فهؤلاء أهل الأهواء وأهل الزيغ هم الذين يتتبعون المتشابهات، الرسول صلى الله عليه وسلم يقصد أن أهل الزيغ الذين يتبعون المتشابه هم الذين يجب أن يحذرهم الناس...، وعلى هذه الشاكلة أهل البدع في كل زمان ومكان ...
فإحسان الظن بأهل الانحرافات، وأهل البدع والضلالات، مخالفٌ لمنهج الله تبارك وتعالى، فلا بد من الحذر منهم، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: « فإذا رأيتم من يتبع المتشابه فأولئك الذين لعن الله فاحذروهم » .
ما قال أحسنوا بهم الظن كما يقول الآن كثير من أهل الأهواء: أنتم تتكلمون عن النوايا، أنتم تتكلمون عن المقاصد، يا أخي إذا رأينا عندك شبه وضلالات أنت مُتهم، الله حذرنا منك، ورسول الله حذرنا منك، كيف لا نحذر منك، وكيف نحسن بك الظن وقد نبهنا الله تبارك وتعالى إلى سوء قصدك، وحذر رسول الله منك..فالذي يحترم المنهج السلفي ويحترم العقيدة السلفية ويحترم أهل هذا المنهج سابقهم ولاحقهم، كيف يحسن الظن ويركن إلى أهل الباطل »[ انظر: "المرجع السابق"(4/335-337) ] .
وقال الشيخ ربيع حفظه الله:« توجد ظاهرة خطيرة، وهي أن أهل الحديث والسنة إذا دافعوا عن الحق وأهله؛ اتَّهمهم المرتجفون خوفاً على أهل البدع بأنهم ... يسيئون الظن بالناس ويتدخلون في نياتهم !! ولكن لا مانع أن يُتّهَمَ أهلُ الحديث بأي تهمة، بما فيها أنهم يسيئون الظن بالناس، ويتدخلون في نياتهم وطوايا نفوسهم !»[ انظر: "المرجع السابق"(13/81) ]، والعلم عند الله تعالى .
....يتبع بمشيئة الله .
http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=15474

احذروا هذه المداخل الحزبية من خلال بعض القواعد السلفية (الحلقة الأولى)



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين و بعد: فإن من خِصال أهل التحزُّب: لبسُ الحقِّ بالباطل، وإلباسُ الباطِل ثوب الحقِّ، وتسمية الأشياء بغير أسمائها الحقيقية، تلبيسًا على الناس، وتغريرًا بهم، حتى يتمكَّنوا من بثِّ شبهاتهم وسمومهم في أوساط أهل السنة خاصة، لا سيما في الأمكنة والأزمنة التي لا يقدرون فيها على المجاهرة بأباطيلهم، والتصريح بمعتقداتهم، فإنهم حينذاك يلجئون إلى المغالطات والخداع والتلبيس .
ومن هذه المغالطات و التلبيسات، ما يفعله الحزبيون المنحرفون من رفع شعار بعض الأصول السلفية، والتظاهر بالتمسك بها والسير على دربها، تستُّرًا منهم بها، وهم في حقيقة الأمر يريدون بها غير ما يريده أهل السنة، ويُفسِّرونها بغير تفسيرهم، و هي منهم عبارة عن كلمة حقٍّ يراد بها الباطل، وشعاراتٌ ظاهرها الحق والرحمة، وباطنها الشَّر و الفتنة والكيد لأهل السنة .
حتى انخدع بهم فئامٌ من الناس، إذ لم يتفطَّنوا لمكرهم، فوقعوا في شراكهم، وصاروا جنودًا لهم يستغلونهم في محاربة أهل السنة ويستكثرون بهم عليهم .
ولشِدَّة مفاسد هذه التلبيسات الحزبية على المنتمين للدعوة السلفية فضلًا عن غيرهم، رأيتُ أن أكتب هذا المقال الذي سأورد فيه بمعونة الله وإذنه عددًا من الأصول والقواعد السلفية التي تمَتْرَسَ بها أهل التحزُّب، و رفعوا شعارها، وتظاهروا بالسير عليها، تقية وخداعًا، مع بيان مخالفتهم لأهل السنة في تطبيقها، وإبراز مقاصدهم وأغراضهم من التدثُّر بها، كل ذلك مُستفيدًا إيَّاه، ومُستخلِصًا له من كلام علمائنا، وأئمتنا رحم الله أمواتهم، وحفظ أحياءهم .
ونبدأ بتوفيق الله بالأصل الأول:
** الحث على اتباع الدليل و النهي عن التعصب و التقليد **

اتباع الدليل والبعد عن التعصب والتقليد الأعمى للرجال يعتبر من أصول أهل السنة والجماعة، وأدلته أوضح من ضوء الشمس، وتطبيقات أئمة السنة له لا تكاد تحصى وتُعد .
بيْد أن بعض أهل التحزب قد رفعوا شعار هذا الأصل السلفي، و تظاهروا به، إلا أن مرادهم به ليس هو مراد أهل السنة، فإن مقصودهم منه: ردُّ أحكام العلماء على المنحرفين، وإسقاطها، بحجة عدم التقليد، مع أن أحكام علماء السنة على المخالفين، مُؤيدة بالأدلة الواضحة، والبراهين الساطعة، فالأخذ بأقوالهم والحالة هذه واتباعهم فيها، ليس من التقليد في شيء، زيادة على أنهم ثقات عدول يجب قبول أخبارهم في الرجال وبناء الأحكام عليها، فعلى السلفي أن يكون فطِنًا من مداخل الحزبيين و استغلالاتهم لألفاظ هذه الأصول السلفية .
وممن كان يتستَّر و يَتَمَتْرسُ بهذه القاعدة السلفية لإسقاط جرح علماء السنة في المخالفين: أبو الحسن المأربي ومن تعصب له .
قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله:« أبو الحسن المصري المأربي وأنصاره... يزعمون للناس أنهم هم أهل السنة، وأنهم أهل الدليل ولا يقبلون الأقوال إلا بأدلتها.. وأنهم لا يُقلِّدون أحدًا وأن فلانًا وفلانًا ليسوا بمعصومين، ولسنا بملزمين بقول فلان ولا بقول علان، ونحو هذه الدعاوى التي أثبتت الأحداث أنه يصدق عليهم ما قاله الخليفة الراشد علي رضي الله عنه في الخوارج حينما كانوا يرددون قولهم: «لا حكم إلا لله »، فقال: « كلمة حق أريد بها باطل» .
ونحن كنا ندرك أن ما كانوا يُردِّدُونه من الدَّعاوى العريضة، ومنها:..المطالبة بالبرهان، والتمسك بالدليل، ومحاربة التقليد.. .كنا ندرك أن كل هذا ظاهره كلام حق، ولكنهم يريدون به باطلاً عظيماً، يقصدون من ورائه الشغب والفتن على أهل الحق والسنن ..»[ "مجموعة كتب ورسائل الشيخ" (13/175-176) ] .
وقال الشيخ ربيع حفظه الله: « دعوة أبي الحسن إلى عدم تقليد العلماء؛ إنما هي كلمة حق أراد بها باطلًا، أراد بها إسقاط العلماء، وإسقاط أقوالهم وفتاواهم المقرونة بالأدلة والبراهين، وقد بينت أنا والحمد لله فساد قصده وتعلقه بعدم التقليد في مقالي" جناية أبي الحسن على الأصول السلفية" » ["مجموعة كتب ورسائل الشيخ " (9/119-120) ] .
** عذر المجتهد المخطئ **

المجتهد في طلب الحق والباذل وسعه في الوصول إليه، صاحب الأصول الصحيحة الذي يريد وجه الله تعالى، إذا أخطأ فهو معذور عند أهل السنة والجماعة، بل له أجر على اجتهاده، وليس كذلك أهل البدع أصحاب الأصول الخلفية .
وقد رفع أهل التحزُّب شعار هذه القاعدة السلفية، ونادوا كثيرًا بإعمالها، لكن ليس في حقِّ من ذكرنا أوصافهم من أهل السنة، ولكن في حقِّ رؤوس أهل الأهواء، فألبسوهم لباس المجتهدين، و أعطوهم أوصاف المعذورين، وجعلوا ضلالاتهم وأباطيلهم عبارة عن اجتهادات لا ينبغي أن يُنكر عليهم فيها، فضلًا عن تبديعهم بسببها، فهم كغيرهم ممن دار اجتهادهم بين الأجر والأجرين!! .
هكذا يُلبِّسون على الناس، محاولةً منهم للدفاع عن رموزهم وحمايتهم من جرح أهل السنة لهم .
و في كشف تلبيس أهل التحزب و ما يُخفونَه من وراء رفع هذا الشعار، يقول أخبرُ الناسِ بهم في هذا الزمان العلامة ربيع المدخلي حفظه الله:« أهل البدع ما نقول فيهم: إنهم مجتهدون؛ لأنهم متَّبعون للهوى بشهادة الله وشهادة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فالمبتدع الضالّ يفرِّق الآن ويخطئ فيقول لك: هذا اجتهاد، لَمَّا قَتل حكمتيار والأحزابُ الضالّةُ جميلَ الرحمنِ، قالوا: هذا اجتهاد، استباحة دماء السلفيين اجتهاد عندهم، وهكذا لا يقع في ضلالة وطامَّة إلاَّ قالوا: اجتهاد.
فهذا تمييع الإسلام وخلط بين الباطل والضلال والبدع وبين الحقّ، ومساواة أخطاء المجتهدين التي يثابون عليها بالبدع التي توعَّد رسول الله عليها بالنار.
وقال: إنها ضلالة وقال: إنها شرّ الأمور.
فهذا تمييع وظلم للإسلام يجب أن يتبصَّر فيه المسلمون، فيميزون بين أهل الهدى وكيف ينتقدونهم، ويبيِّنون أخطاءهم وبين أهل الضلال وكيف يتعاملون معهم » [ "أسئلة أبي رواحة " (السؤال الثالث) ] .
وقال الشيخ ربيع حفظه الله:« إن كثيرًا من الناس، بل من الدعاة، من ينزل الناس غير منازلهم، فيجعل من رؤساء البدع الجهلة أئمة مجتهدين، لهم أجر المجتهدين في صوابهم وخطئهم، وينسى أن هؤلاء من أهل الأهواء، الذين يحملون بدعواتهم الضالة أوزارهم، وأوزار من تبعهم، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا »[ انظر: " مجموعة كتب ورسائل الشيخ " (5/220) ] » .
وقال الشيخ ربيع حفظه الله:« الصراع بين أهل السنة وبين أهل الحق والباطل ليس آراءً اجتهادية، إن الذي يقابله ويخاصمه ما هو مجتهد هم من أهل الضلال، هذا كذب وتلبيس، كلها أباطيل ما هي اجتهادات، هذا يضل في الصحابة، ويضل في العقيدة، ويضل في الأصول، ويقال لك هذه آراء اجتهادية؟!! كلام فارغ، كل هذا كذب .
الواجب اتباع الحق، يعني هذا العالم إذا فعل بدعة يحذَّر من بدعته، وإذا كان على حق فيجب أن تأخذ بهذا الحق وتنصره، عرفتم؟.. .
يقول لك: هذا مجتهد، وما هو بمجتهد، صراع في أصول الدين وفي حملته يقول لك: اجتهادات .
هناك روافض، هناك خوارج أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتلهم، هناك صوفية غلاة، وهناك مرجئة، وهناك جبرية فنَّد السلف ضلالاتهم، وحذَّروا منهم، ولم يقل السلف، أو أحد منهم: هذه آراء اجتهادية »[ انظر: "المرجع السابق " (14/270-271) ] .
** حسن الظن بأهل السنة **

حسن الظن بأهل السنة أصحاب المعتقد السليم، و المنهج القويم، و حمل كلامهم على المحامل الحسنة، وإساءة الظن بأصحاب الشبه والأباطيل و الضلالات يُعتبر من صميم منهج السلف .
قال العلامة زيد بن هادي المدخلي رحمه الله كما في " الأجوبة الأثرية عن المسائل المنهجية "(ص : 93): « لا يجوز سوء الظن بأهل السنة والجماعة الذين هم متمسكون بها والموالون لأهلها.. ويجوز سوء الظن بمن أتى بأسبابه.. ».
وقال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله:« نـزَّه الله أهل السنة عن سوء الظن بأهل الحق وأهل السنة، وعن حسن الظن بأهل الباطل والضلال فإنه من الأسباب المردية »[ انظر: "مجموعة كتب ورسائل الشيخ " (13/363-364) ] .
وقد أسرف أهل التحزب في استغلال هذا الأصل و أكثروا من المناداة بحسن الظن، وطالبوا بتطبيقه، لكن لا على طريقة أهل السنة في إعماله في حق السلفيين الصادقين، ولكن بجعله منطلقًا في معاملة إخوانهم من أهل الأهواء والبدع، في وقتٍ نجدهم يُسيئون الظن بأهل السنة .
فهذا واحدٌ من رؤوسهم وهو المدعو عدنان عرعور يقول مُطرِّدًا أصل أهل السنة في أهل البدع : « ينبغي أن ننطلق من حسن الظن، لا من سوء الظن » .
قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله مُبيِّنًا مُراد عرعور بهذا الكلام:« قوله: « ينبغي أن ننطلق من حسن الظن »:
يذكرني بما كان يوصي به البنا جماعته وأتباعه: بأن يحسنوا الظن بإخوانهم، ولهذا كانت بيوت الإخوان المسلمين ومراكزهم مفتوحة لكل أهل المذاهب .
وذكر عبد المتعال الجبري في هذه الحكاية، ذكر الإباضية والزيدية والعلماء في إيران والهند وشمال أفريقيا وشمال سوريا وكذا – يعني العلماء هؤلاء يعني الباطنية، فكنا قال: نجتمع مع بعض والإسلام يسعنا، وكنا نجتمع فلا يجرح أحدٌ منا مشاعر أخيه فلا نذكر مسائل الخلاف .
فهذا عدنان أخذ بوصية البنا بإحسان الظن والمبالغة في ذلك، وحسن الظن بالخوارج والمعتزلة والمرجئة والصوفية القبورية، ولا نفضحهم بما عندهم من الضلال؛ لأن ذلك ينافي حسن الظن الذي قرره البنا، وقلده في ذلك عدنان وأمثاله »[ انظر: " المرجع السابق " (11/224-226) ] .
** وفي بيان من يجب حسن الظن به وحمل كلامه على المحامل الحسنة، ممن لا يجوز ذلك في حقه، يقول العلامة زيد المدخلي رحمه الله، مجيبًا على سؤالٍ هذا نصُّه: حمل الكلام على المحمل الحسن ذريعة يتذرع بها الكثيرون ، فنقول : ما ضابط المحمل الحسن ؟ وهل يفرق بين السني السلفي وغيره في ذلك ؟
فأجاب رحمه الله: «..الكلام الذي ينبغي أن يحمل على المحمل الحسن ويلزم حسن الظن بصاحبه هو الذي يصدر من أهل العلم الشرعي السائرين على نهج الكتاب العزيز والسنّة المطهرة بالفهم الصحيح والعاضين عليهما بالنواجذ و الذابين عنهما بما آتاهم الله من قدرات علمية وحكمة دعوية ، إن هؤلاء إذا جرى منهم أو من أحدهم حديث ما ، في أيّ موضوع ما ، وكان في حديثهم أو بعضه أو حديث بعضهم احتمال لشيء مقبول وشيء غير مقبول مثلا فإن الكلام والحالة هذه يحمل على محمل حسن ويظن بصاحبه الظن الحسن مع الحرص على بيان الأمر وتجليته بالتفصيل حتى لا يبقى التباس على الناس..
وأما المصابون بداء الجهل وأمراض الشبهات والشهوات فإنه متى صدر منهم ما فيه ضرر على الإسلام والمسلمين من بدعة مضلة أو خطأ ناتج عن هوى متبع أو إعجاب بالرأي أو اقتداء بمنهج خطؤه أكثر من صوابه ، وضرره أعظم من نفعه ، وضلاله أظهر من هدايته؛ فإن من هذا شأنهم لا ينبغي أن يحسن بهم الظن ولا تلتمس لأخطائهم المعاذير فيما دونوه بأقلامهم أو نشروه في وسائل النشر فأوصلوه إلى سمع الناس وقلوبهم ليكون لهم فتنة في دينهم وشر على المسلمين وأبنائهم ...
ومن هذا العرض المختصر يظهر لك أيها السائل الفرق بين السني السلفي والبدعي الخلفي في الأمر المذكور ، ثم إن ما نسمعه من قادة أهل الأهواء والبدع في هذا الزمان وأتباعهم المقلدين لهم من كلمات التلبيس هو جهل ومكر وذلك أنهم يستخدمون تلك الكلمات لتسويغ ما ينشره منظروهم وساستهم مما فيه هدم لبعض الأحكام الشرعية المتعلقة ببيان العقيدة السلفية الصحيحة والمنهج العلمي العملي لتحل محلها البدع الضالة المضلة كقولهم لأهل الحق : « حسنوا الظن بإخوانكم » يعنون بذلك الإخوان الحزبيين المتكتلين ضد العلماء السلفيين الذين أنكروا وينكرون على الجماعات تعددهم وتفرقهم ، واعتصامهم بمناهج مستوردة تناهض كثيرا من عواصم المنهج السلفي الحنيف »[" الأجوبة المختصرة على الأسئلة العشرة " ( ص :56 ) ] .
....يتبع بإذن الله تعالى .
http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=15422