الجمعة، 16 سبتمبر 2011

نصيحة مخلصة للشباب المسلم

نصيحة مخلصة للشباب المسلم


قال الشيخ ربيع :

((وإنني أوجه نصيحة مخلصة للشباب المسلم :

1- أن يكون من أول مزاياه : حب الحق والإلحاح في البحث عنه ونصرته .

2- وأن يهدأ ويستريح من العيش في دوامة العواطف العمياء والتعصب المقيت لهذا الشخص أو ذاك؛ فإن هذا الأسلوب يدخله في عِدادِ من قال الله فيهم :

(وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُون ). ))

من كتاب أهل الحديث هم الطائفة المنصورة


نصيحة بالاهتمام بكتب السلف وسبب الرد على أهل البدع

قال الشيخ ربيع :

((وإني لأنصح الشباب الذين يريدون وجه الله والدار الآخرة؛ أن يقرؤا هـذا الكتاب : "الفـرق بـين النصيحة والتعيير"، وما شابهه من كلام السلف ـ رضوان الله عليهم ـ ، ولا سيما كتابات ابن تيمية، وابن القيم، وقراءة جهادهم ونضالهم لنصرة السنة والحق، ودحض الباطل والبدع والترهات، التي يدعو إليها أهل البدع ومن تولاهم، سواء في مؤلفات، أو في مقالات، أو محاضرات؛ فإن بلاءهم قد عَمَّ وطَمَّ .

نسأل الله أن يفك أسر المأسورين، والمكبلين بأغلال وقيود أهل الكيد من أهل البدع .

والله يعلم أننا لا نرد على أهل البدع إلا لإنقاذ المخدوعين والمغرورين بأهل البدع والباطل؛ فنُقَابَل منهم إما بالنفور والإعراض عما نكتب، أو بالاتهام الباطل، وإشاعة هذا الاتهام في صفوف الشباب؛ لصدهم عن إدراك الحق، حتى يعيشوا في عماية تامة عن معرفة واقعهم المرير، الذي ساقهم إليه أهل الأهواء .))

من كتاب المحجة البيضاء


نصيحة في الحذر من مكائد أهل البدع واخذ العلم عن الأكابر

قال الشيخ ربيع :

((وأنصح الشباب السلفي في العالم الذين يخدعون بعدنان وأمثاله من الحزبيين والمبتدعين أن يكونوا على غاية الحذر من تلبيس هؤلاء وفتنتهم وشرورهم ولا سيما عدنان الذي يلبس اللباس السلفي زوراً ، ويحارب أهله ودعاته حرباً لا يُعرف مثلها من أشد أهل البدع ، أحذرهم من هذا الرجل أشد التحذير وأنفرهم والله حباً لهم وأريد أن يسيروا في طريق السلف ، وهم والله في غنيةٍ عنه لأنه لا يأتيهم إلا بالقواعد الباطلة والهراء والكلام الفاسد ، فأحذرهم منه ومن ألاعيبه وأكاذيبه وتلبيساته ، وأن يعتبروا أن الإسلام لا يؤخذ من أمثال هؤلاء .

وقد قال علماء السلف كابن المبارك وأمثاله :

" إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم " .

فلا يؤخذ الدين من الملبسين الأدعياء ، ولا من الواضحين في الضلال ، ولا من غيرهم ، وإنما يأخذون العلم من أهل العلم الثقات العدول الموالين في الله والمعادين فيه والمنابذين للباطل والداعين إلى الحق وإلى الهدى المستقيم ، عليهم أن يختاروا ويتثبتوا ولا يتسرعوا فيسمعوا أو يقرؤوا لكل من هب ودب ؛ لأن كثيراً منهم في مرحلة البداية لا يميزون بين حقٍ وباطل فيقرؤون لأمثال من ذكرت فيخرجونه عن منهج الله إلى مناهجهم الفاسدة ، فليحذروا تلك المقولة المضللة :

" نقرأ في الكتب ونسمع من الأشخاص وما كان من حقٍ أخذناه ، وما كان من باطلٍ رددناه " )).

من كتاب دفعي بغي عدنان




نصيحة بطلب العلم النافع والحذر من أهل البدع ومكرهم

قال الشيخ ربيع:

((فأنصح الشباب السلفي :

أولاً: أن يطلبوا العلم وأن يجالسوا أهل الخير وأن يحذروا أهل الشر، فإن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ضرب مثلاً للجليس السوء وآثاره السيئة، والجليس الخير وآثاره الطيبة، فقال: (( مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، - يعني أنت رابح و مستفيد منه على كل حال من الأحوال، لا تجد منه إلا الخير، كالنخلة كلها خير، وكلها نفع كما هو مثل المؤمن - والجليس السوء كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن لا تسلم من دخانه )) [18] فالأذى لابد لاحق بك، والشر لا بد أن يلحق بك، جسيماً أو خفيفاً، فإذا كان لابد من الضرر من مجالسة أصحاب السوء، فلماذا تحرص على مجالستهم ومخالطتهم ما دليلك على الجواز، الرسول r حَذَّر ، الرسول r أنذر، الرسول r بَيَّن الخطر فما هو عذرك ، و أئمة الإسلام حَذروا وأنذروا ، ونفذوا توجيهات الرسول عليه الصلاة والسلام ، وتوجيهات القرآن الكريم والسنة، فبأيِّ دليل تخالف منهج أهل السنة والجماعة، وتتحدى إخوانك الذين يحبون لك الخير، ويخافون عليك من الوقوع في الشر.
فأنا أنصح الشبابٍ السلفي أينما كانوا، وأينما نزلوا، أن يدرسوا منهج السلف، وأن يعرفوا قدْر أهل السنة والجماعة، وأن يدركوا فيهم أنهم أهل النصح، وأهل الخبرة، وما يقولونه –والله - يتحقق فيمن يأخذ بقولهم أو يخالفهم، فمن خالفهم؛ فالغالب عليه الوقوع في الباطل، والوقوع في الشر، ومن استفاد منهم سَلِمَ ونجى،والسلامة والنجاة لا يعدلها شيء.

وإذا كان كبار السلف من أمثال أيوب السختياني ، وابن سيرين، ومجاهد، وغيرهم، لا يطيقون أن يسمعوا كلمة أو نصف كلمة من أهل الباطل، ولا يسمحون لك أن تناظر أهل البدع؛ لأن المناظرة تجرك إلى الوقوع في الفتنة، فهم أهل خبرة، وأهل ذكاء، وأهل نصح، فأوصي الشباب أن يستفيدوا:

أولاً: من كتاب الله .

ثانياً: من سنة رسول الله r .

ثالثاً: من توجيهات ومواقف السلف الصالح ، بدأً بالصحابة، وعلى رأسهم عمر، الخليفة الراشد، وعلي بن أبي طالب، رضوان الله عليهم ، وعبد الله ابن عباس، وجابر بن عبد الله، و عبد الله بن عمر، رضوان الله عليهم جميعاً...

الشاهد أنَّا كما ذكرنا غير مرة أن الله حذرنا من أهل البدع، وبين أن مقاصدهم سيئة، والرسول r أكَّدَ ذلك وحذر منهم، حذر منهم عليه الصلاة والسلام، فَهِمَ السلف من هذه النصوص ومن غيرها الكثير والكثير، فهموا منها المواقف السليمة والصحيحة من أهل البدع والضلال، ودَوَّنوا ذلك في كتبهم، وقالوا إن المبتدع لا غيبة له، وأنه يجب التحذير منه، وأن محاربة أهل البدع جهاد، وهو أفضل من الضرب بالسيوف لماذا ؟ لأن هذا يفسد الدين مباشرة، هذا يفسد الدين، الفاسد يفسد الدين، الفاسق معترف بأنه منحرف، وأنه مخالف للدين، ويُحدِّث نفسه بالتوبة، أما هذا لا، هذا يُفسد الدين، ويفسد الناس، لهذا نرى أن الله تبارك وتعالى حارب أحبار اليهود ورهبانهم وعلماء السوء منهم أشدَّ من محاربته للحكام والطغاة الجبابرة لماذا ؟ لأن أولئك ضلالهم وفسادهم معروف وواضح للناس، لكن هؤلاء يلبسون الحق بالباطل، كما قال تبارك وتعالى{لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون ] ، وهذا حال أهل البدع عندهم شيء من الحق أو شيء من الضلالة يلبسونه بشيء من الحق حتى يروج، طرق ماكرة، فالله سبحانه وتعالى أعلم بعباده، تراه كم صب من اللوم والذم والتحذير والطعن لليهود وعلمائهم وللنصارى لماذا ؟ لأنهم أفسدوا دين الله، وهذا شأن أهل البدع ولهم حظ من هذا الذم الذي يوجهه الله تبارك وتعالى إلى اليهود والنصارى، والدليل قول الرسول r (( لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)) فقد وقع أهل البدع في هذا الشر، وتابعوا اليهود في التأويل وفي التحريف وفي الكذب وفي نشر الباطل والدعاية في الباطل، شاركوهم في كل هذه الأشياء، فالشبه قوية جداً بينهم وبين هؤلاء، وقد أخبر الرسول r أن هؤلاء سيتابعونهم.

فنحن عل كل حال بعد هذا كله ننصح الشباب السلفي أن يُقبلوا على طلب العلم، وأن يحرصوا على معاشرة الصالحين، وأن يحذروا كل الحذر من مخالطة أهل البدع وأهل الشبه والفتن، وهذه النصيحة أرجو أن تلقى آذاناً صاغية من إخواننا طلاب الحق وأهل الحق، ونسأل الله أن ينفعنا وإياهم، وأن يجعلنا وإياهم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يجعلنا من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم الذين يُؤثِرون طاعته واتباعه على كل أمر من أمور الحياة هذه، إن ربنا سميع الدعاء . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم )).

من تفريغ شريط الموقف الصحيح من أهل البدع


دعوة جادة لإعادة النظر في المناهج الجامعية والدراسية لكل من كان مخالفاً للعقيدة السلفية

قال الشيخ ربيع :

((دعوة جادة، وإني لأوجه بهذه المناسبة دعوة جادة إلى القائمين على هذه المدارس في هذا العصر الذي تعاني فيه الأمة الويلات والذل نتيجة مخالفتهم لكتاب الله وسنة رسوله وسنة الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين أوجه الدعوة إلى هذه المدارس لتعيد النظر بجدٍّ في مناهجها وإلى السعي في إصلاحها إصلاحاً جذرياً وشاملاً بما يتفق مع الكتاب والسنة وفقه السلف الصالح لهما عقائدياً ومنهجياً وعبادات ومعاملات ومن هذا الإصلاح سد باب أن أخبار الآحاد تفيد الظن، إن هذا الإصلاح ليسير على من يسره الله عليه واطلع الله منه على نية صادقة وعزم ماض.

ومن نظر نظرة صادقة متجردة إلى تفسير السلف الصالح للقرآن الكريم، مثل: تفسير ابن جرير والبغوي وما جرى مجراهما من تفاسير السلف، وتأمل نصوص الأمهات الست في أبواب الإيمان والتوحيد والسنة وفي مؤلفات أبي الحسن الأشعري الأخيرة كالإبانة والمقالات والموجز وقرأ ما قرره ابن عبدالبر وابن أبي زيد وأمثالهما تبين له بكل وضوح العقائد التي قررها الله في كتابه ورضيها وقررها رسوله في سنته ودان بها الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان، وتبين له بوضوح بطلان كل المذاهب التي تخالف مقررات الكتاب والسنة وما دان به السلف الصالح من القرون الخيرة.

] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [ (لأنفال:24).

واعلموا يا من بأيديهم أزمة أمور الأمة أنكم مسئولون أمام الله عن بقائها على ما هي عليه الآن من جهل بحقائق القرآن والسنة ومخالفات لها ذلكم الجهل الخطير والمخالفات المهلكة في الدنيا والآخرة)).

من كتاب حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام

المصدر/موقع الشيخ ربيع المدخلي


http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=120680

حكم الدعوة إلى الله بالأناشيد


سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن ‏[‏جماعة‏]‏ يجتمعون على قصد الكبائر من القتل، وقطع الطريق، والسرقة، وشرب الخمر، وغير ذلك‏.‏ ثم إن شيخًا من المشائخ المعروفين بالخير واتباع السنة قصد منع المذكورين من ذلك، فلم يمكنه إلا أن يقيم لهم سماعا يجتمعون فيه بهذه النية، وهو بدف بلا صلاصل، وغناء المغني بشعر مباح بغير شبابة، فلما فعل هذا تاب منهم جماعة، وأصبح من لا يصلي ويسرق ولا يزكي يتورع عن الشبهات، ويؤدي المفروضات، ويجتنب المحرمات‏.‏ فهل يباح فعل هذا السماع لهذا الشيخ على هذا الوجه، لما يترتب عليه من المصالح، مع أنه لا يمكنه دعوتهم إلا بهذا‏؟‏  فأجاب‏:‏
 الحمد لله رب العالمين‏.‏
 أصل جواب هذه المسألة وما أشبهه‏:‏ أن يعلم أن الله بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهدى، ودين الحق، ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدا‏.‏ وأنه أكمل له ولأمته الدين‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏3‏]‏ ‏.‏ وأنه بشر بالسعادة لمن أطاعه، والشقاوة لمن عصاه، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا‏}‏‏[‏النساء‏:‏69‏]‏، وقال تعالى‏:‏‏{‏وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا‏}‏ ‏[‏الجن ‏:‏23‏]‏‏.‏
 وأمر الخلق أن يردوا ما تنازعوا فيه من دينهم إلى ما بعثه به، كما قال تعالى ‏:‏‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏59‏]‏، وأخبر أنه يدعو إلى الله وإلى صراطه المستقيم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏108‏]‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ‏}‏‏[‏الشورى‏:‏52، 53‏]‏ ‏.‏
 وأخبر أنه يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويحل الطيبات، ويحرم الخبائث ‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 156، 157‏]‏ ‏.‏
 وقد أمر الله الرسول صلى الله عليه وسلم بكل معروف ونهى عن كل منكر‏.‏ وأحل كل طيب، وحرم كل خبيث‏.‏ وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال‏:‏ ‏(‏ما بعث الله نبيا إلا كان حقًا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم‏)‏، وثبت عن العرباض بن سارية قال‏:‏ وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون‏.‏ قال‏:‏ فقلنا‏:‏ يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏أوصيكم بالسمع والطاعة، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا ‏.‏ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور‏.‏ فإن كل بدعة ضلالة‏)‏‏.‏ وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏ما تركت من شىء يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم به‏)‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏(‏تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك‏)‏‏.‏
 وشواهد هذا ‏[‏الأصل العظيم الجامع‏]‏ من الكتاب والسنة كثيرة وترجم عليه أهل العلم في الكتب‏.‏ ‏[‏كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة‏]‏ كما ترجم عليه البخارى والبغوي وغيرهما، فمن اعتصم بالكتاب والسنة كان من أولياء الله المتقين، وحزبه المفلحين، وجنده الغالبين‏.‏ وكان السلف ـ كمالك وغيره ـ يقولون‏:‏ السنة كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، وقال الزهري‏:‏ كان من مضى من علمائنا يقولون‏:‏ الاعتصام بالسنة نجاة‏.‏
 إذا عرف هذا فمعلوم أن ما يهدي الله به الضالين ويرشد به الغاوين ويتوب به على العاصين، لابد أن يكون فيما بعث الله به رسوله من الكتاب والسنة، وإلا فإنه لو كان ما بعث الله به الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكفي في ذلك، لكان دين الرسول ناقصًا، محتاجًا تتمة‏.‏ وينبغي أن يعلم أن الأعمال الصالحة أمر الله بها أمر إيجاب أو استحباب، والأعمال الفاسدة نهى الله عنها‏.‏
 والعمل إذا اشتمل على مصلحة ومفسدة، فإن الشارع حكيم‏.‏ فإن غلبت مصلحته على مفسدته شرعه، وإن غلبت مفسدته على مصلحته لم يشرعه، بل نهى عنه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏ البقرة‏:‏ 216‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏219‏]‏، ولهذا حرمها الله تعالى بعد ذلك‏.‏
 وهكذا ما يراه الناس من الأعمال مقربًا إلى الله، ولم يشرعه الله ورسوله، فإنه لابد أن يكون ضرره أعظم من نفعه، و إلا فلو كان نفعه أعظم غالبًا على ضرره لم يهمله الشارع، فإنه صلى الله عليه وسلم حكيم، لا يهمل مصالح الدين، ولا يفوت المؤمنين ما يقربهم إلى رب العالمين‏.‏

إذا تبين هذا فنقول للسائل‏:‏ إن الشيخ المذكور قصد أن يتوب المجتمعون على الكبائر‏.‏ فلم يمكنه ذلك إلا بما ذكره من الطريق البدعي، يدل أن الشيخ جاهل بالطرق الشرعية التي بها تتوب العصاة، أو عاجز عنها، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين كانوا يدعون من هو شر من هؤلاء من أهل الكفر والفسوق والعصيان بالطرق الشرعية، التي أغناهم الله بها عن الطرق البدعية‏.‏

فلا يجوز أن يقال‏:‏ إنه ليس في الطرق الشرعية التي بعث الله بها نبيه ما يتوب به العصاة، فإنه قد علم بالاضطرار والنقل المتواتر أنه قد تاب من الكفر والفسوق والعصيان من لا يحصيه إلا الله تعالى من الأمم بالطرق الشرعية، التي ليس فيها ما ذكر من الاجتماع البدعي؛ بل السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ـ وهم خير أولياء الله المتقين، من هذه الأمة ـ تابوا إلى الله تعالى بالطرق الشرعية، لا بهذه الطرق البدعية ‏.‏ وأمصار المسلمين وقراهم قديمًا وحديثًا مملوءة ممن تاب إلى الله واتقاه، وفعل ما يحبه الله ويرضاه بالطرق الشرعية، لا بهذه الطرق البدعية‏.‏
 فلا يمكن أن يقال‏:‏ إن العصاة لا تمكن توبتهم إلا بهذه الطرق البدعية، بل قد يقال‏:‏ إن في الشيوخ من يكون جاهلا بالطرق الشرعية، عاجزًا عنها، ليس عنده علم بالكتاب والسنة، وما يخاطب به الناس، ويسمعهم إياه، مما يتوب الله عليهم، فيعدل هذا الشيخ عن الطرق الشرعية إلى الطرق البدعية، إما مع حسن القصد، إن كان له دين، وإما أن يكون غرضه الترأس عليهم، وأخذ أموالهم بالباطل، كما قال تعالى ‏:‏‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏34‏]‏، فلا يعدل أحد عن الطرق الشرعية إلى البدعية إلا لجهل، أو عجز، أو غرض فاسد‏.‏وإلا فمن المعلوم أن سماع القرآن هو سماع النبيين، والعارفين، والمؤمنين ‏.‏ قال تعالى في النبيين ‏:‏‏{‏أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏58‏]‏‏.‏
 وقال تعالى في أهل المعرفة‏:‏ ‏{‏وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏83‏]‏‏.‏ وقال تعالى في حق أهل العلم‏:‏‏{‏إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا‏}‏‏[‏الإسراء‏:‏ 107‏:‏ 109‏]‏ ‏.‏
 وقال في المؤمنين‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏2-4‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ‏}‏‏[‏الزمر‏:‏23‏]‏ ‏.‏
 وبهذا السماع هدى الله العباد، وأصلح لهم أمر المعاش والمعاد، وبه بعث الرسول صلى الله عليه وسلم، وبه أمر المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، وعليه كان يجتمع السلف، كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ اجتمعوا أمروا رجلا منهم أن يقرأ وهم يستمعون، وكان عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يقول لأبي موسى‏:‏ ذكرنا ربنا، فيقرأ أبو موسى وهم يستمعون ‏.‏ وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر بأبي موسى الأشعري وهو يقرأ، فجعل يستمع لقراءته‏.‏ وقال‏:‏ ‏(‏لقد أوتي هذا مزمارًا من مزامير آل داود‏)‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏(‏مررت بك البارحة وأنت تقرأ فجعلت أستمع لقراءتك‏)‏، فقال‏:‏لو علمت أنك تسمعني لحبرته لك تحبيرًا‏.‏ أي‏:‏ لحسنته لك تحسينًا‏.‏
 وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال لابن مسعود ‏:‏‏(‏اقرأ علي القرآن‏)‏، فقال‏:‏أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل‏؟‏‏!‏ فقال‏:‏ ‏(‏إني أحب أن أسمعه من غيري‏)‏‏.‏قال‏:‏ فقرأت عليه سورة النساء حتى وصلت إلى هذه الآية‏:‏ ‏{‏فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏41‏]‏، قال لي‏:‏ ‏(‏حسبك‏)‏، فنظرت إليه فإذا عيناه تذرفان من البكاء‏.‏ وعلى هذا السماع كان يجتمع القرون الذين أثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال‏:‏‏(‏خير القرون الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم‏)‏‏.‏
 ولم يكن في السلف الأول سماع يجتمع عليه أهل الخير إلا هذا ‏.‏ لا بالحجاز، ولا باليمن، ولا بالشام، ولا بمصر، والعراق، وخراسان، والمغرب‏.‏ وإنما حدث السماع المبتدع بعد ذلك، وقد مدح الله أهل هذا السماع، المقبلين عليه، وذم المعرضين عنه، وأخبر أنه سبب الرحمة، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏204‏]‏ وقال تعالى‏:‏‏{‏وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} ‏[‏الفرقان‏:‏73‏]‏، وقال تعالى‏:‏‏{‏أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏16‏]‏، وقال تعالى ‏:‏‏{‏وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ‏}‏ ‏[‏ الأنفال‏:‏23‏]‏، وقال تعالى‏:‏‏{‏فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ‏}‏ ‏[‏المدثر‏:‏49‏:‏ 51‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ‏}‏‏[‏الكهف‏:‏57‏]‏ ، وقال تعالى‏:‏‏{‏فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى‏}‏‏[‏طه‏:‏123‏:‏ 126‏]‏، ومثل هذا في القرآن كثير يأمر الناس باتباع ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة، ويأمرهم بسماع ذلك‏.‏
 وقد شرع الله تعالى السماع للمسلمين في المغرب، والعشاء، والفجر ‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا‏}‏‏[‏الإسراء‏:‏78‏]‏، وبهذا مدح عبد الله بن رواحة النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال‏:‏
 وفينا رسول الله يتلو كتابه ** إذا انشق معروف من الفجر ساطع‏.‏
 يبيت يجافي جنبه عن فراشه ** إذ استثقلت بالكافرين المضاجع‏.‏
 أتى بالهدى بعد العمى فقلوبنا ** به موقنات إنما قال واقـــع‏.‏

وأحوال أهل هذا السماع مذكورة في كتاب الله، من وجل القلوب، ودمع العيون، واقشعرار الجلود، وإنما حدث سماع الأبيات بعد هذه القرون، فأنكره الأئمة، حتى قال‏:‏ الشافعي ـ رحمه الله ـ خلفت ببغداد شيئًا أحدثته الزنادقة، يسمونه التغبير، يزعمون أنه يرقق القلوب، يصدون به الناس عن القرآن، وسئل الإمام أحمد عنه فقال‏:‏ محدث، فقيل له‏:‏ أنجلس معهم فيه‏؟‏ فقال‏:‏ لا يجلس معهم‏.‏
 والتغبير هو الضرب بالقضيب على جلودهم، من أمثل أنواع السماع‏.‏ وقد كرهه الأئمة فكيف بغيره، والأئمة المشائخ الكبار لم يحضروا هذا السماع المحدث، مثل الفضيل ابن عياض، وإبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، والسري السقطي ‏[‏هو سريّ بن مغلس السقطي، أبو الحسن، من كبار المتصوفة، بغدادي المولد والوفاة، قال الجنيد‏:‏ ما رأيت أعبد من السري السقطي، أتت عليه ثمان وتسعون سنة ما رؤى مضطجعًا إلا في علة الموت، من كلامه‏:‏ من عجز عن أدب نفسه كان عن أدب غيره أعجز‏.‏توفى سنة867م‏.‏ ‏[‏الوفيات 2357، والأعلام382‏]‏، وأمثالهم‏.‏ ولا أكابر الشيوخ المتأخرين‏:‏ مثل الشيخ عبد القادر، والشيخ عدي، والشيخ أبي مدين، والشيخ أبي البيان، والشيخ أبي القاسم الحوفي، والشيخ علي ابن وهب، والشيخ حياة ‏[‏هو حياة بن الوليد اليحصبي، أحد الأشراف الشجعان ‏.‏ كان في أيام استيلاء عبد الرحمن الأموي على الأندلس، وامتنع مع أمير طليطلة، فوجه إليهما عبد الرحمن جيشًا فأسر حياة، وصلب بقرطبة، مات سنة 764م‏.‏‏[‏ الأعلام‏:‏ 2289‏]‏، وأمثالهم‏.‏ وطائفة من الشيوخ حضروه ثم رجعوا عنه‏.‏ وسئل الجنيد عنه فقال‏:‏ من تكلف السماع فتن به، ومن صادفه السماع استراح به‏.‏ فبين الجنيد أن قاصد هذا السماع صار مفتوتًا، وأما من سمع ما يناسبه بغير قصد فلا بأس‏.‏
 فإن النهي إنما يتوجه إلى الاستماع، دون السماع، ولهذا لو مر الرجل بقوم يتكلمون بكلام محرم لم يجب عليه سد أذنيه، لكن ليس له أن يستمع من غير حاجة، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم ابـن عمر بسد أذنيه لما سمع زمــارة الراعـي، لأنه لم يكن مستمعًا بل سامعًا‏.‏
 وقول السائل وغيره‏:‏ هل هو حلال ‏؟‏ أو حرام‏؟‏ لفظ مجمل به تلبيس، يشتبه الحكم فيه، حتى لا يحسن كثير من المفتين تحرير الجواب فيه، وذلك أن الكلام في السماع وغيره من الأفعال على ضربين‏:‏
 أحدهما‏:‏ أنه هل هو محرم‏؟‏ أو غير محرم‏؟‏ بل يفعل كما يفعل سائر الأفعال التي تلتذ بها النفوس، وإن كان فيها نوع من اللهو واللعب كسماع الأعراس، وغيرها‏.‏ مما يفعله الناس لقصد اللذة واللهو، لا لقصد العبادة والتقرب إلى الله ‏.‏
 والنوع الثاني‏:‏ أن يفعل على وجه الديانة، والعبادة، وصلاح القلوب ، وتجريد حب العباد لربهم، وتزكية نفوسهم، وتطهير قلوبهم وأن تحرك من القلوب الخشية، والإنابة، والحب، ورقة القلوب، وغير ذلك مما هو من جنس العبادات، والطاعات، لا من جنس اللعب والملهيات‏.‏
 فيجب الفرق بين سماع المتقربين، وسماع المتلعبين، وبين السماع الذي يفعله الناس في الأعراس، والأفراح، ونحو ذلك من العادات، وبين السماع الذي يفعل لصلاح القلوب، والتقرب إلى رب السموات، فإن هذا يسأل عنه‏:‏ هل هو قربة وطاعة‏؟‏ وهل هو طريق إلى الله ‏؟‏ وهل لهم بد من أن يفعلوه لما فيه من رقة قلوبهم، وتحريك وجدهم لمحبوبهم، وتزكية نفوسهم، وإزالة القسوة عن قلوبهم، ونحو ذلك من المقاصد التي تقصد بالسماع ‏؟‏ كما أن النصارى يفعلون مثل هذا السماع في كنائسهم على وجه العبادة والطاعة، لا على وجه اللهو واللعب‏.‏
 إذا عرف هذا فحقيقة السؤال‏:‏ هل يباح للشيخ أن يجعل هذه الأمور التي هي‏:‏ إما محرمة، أو مكروهة، أو مباحة، قربة وعبادة وطاعة، وطريقة إلى الله يدعو بها إلى الله، ويتوب العاصين، ويرشد به الغاوين، ويهدي به الضالين‏؟‏
 ومن المعلوم أن الدين له ‏[‏أصلان‏]‏ فلا دين إلا ما شرع الله، ولا حرام إلا ما حرمه الله‏.‏ والله تعالى عاب على المشركين أنهم حرموا مالم يحرمه الله، وشرعوا دينًا لم يأذن به الله‏.‏
 ولو سئل العالم عمن يعدو بين جبلين‏:‏ هل يباح له ذلك‏؟‏ قال‏:‏ نعم، فإذا قيل‏:‏ إنه على وجه العبادة كما يسعى بين الصفا والمروة، قال‏:‏ إن فعله على هذا الوجه حرام منكر، يستتاب فاعله، فإن تاب وإلا قتل‏.‏
 ولو سئل عن كشف الرأس، ولبس الإزار، والرداء‏:‏ أفتى بأن هذا جائز، فإذا قيل‏:‏ إنه يفعله على وجه الإحرام، كما يحرم الحاج‏.‏ قال‏:‏ إن هذا حرام منكر‏.‏
 ولو سئل عمن يقوم في الشمس‏.‏ قال‏:‏ هذا جائز ‏.‏ فإذا قيل‏:‏ إنه يفعله على وجه العبادة‏.‏ قال‏:‏ هذا منكر ‏.‏ كما روى البخاري عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قائمًا في الشمس‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏من هذا‏)‏‏؟‏ قالوا‏:‏ هذا أبو إسرائيل يريد أن يقوم في الشمس، ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مروه فليتكلم، وليجلس، وليستظل وليتم صومه‏)‏ فهذا لو فعله لراحة، أو غرض مباح لم ينه عنه، لكن لما فعله على وجه العبادة نهى عنه‏.‏
 وكذلك لو دخل الرجل إلى بيته من خلف البيت، لم يحرم عليه ذلك، ولكن إذا فعل ذلك على أنه عبادة، كما كانوا يفعلون في الجاهلية‏:‏ كان أحدهم إذا أحرم لم يدخل تحت سقف، فنهوا عن ذلك، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏189‏]‏، فبين سبحانه أن هذا ليس ببر، وإن لم يكن حراما، فمن فعله على وجه البر والتقرب إلى الله كان عاصيًا، مذمومًا، مبتدعًا، والبدعة أحب إلى إبليس من المعصية، لأن العاصي يعلم أنه عاص فيتوب، والمبتدع يحسب أن الذي يفعله طاعة فلا يتوب‏.‏
 ولهذا من حضر السماع للعب واللهو لا يعده من صالح عمله، ولا يرجو به الثواب، وأما من فعله على أنه طريق إلى الله تعالى فإنه يتخذه دينًا، وإذا نهى عنه كان كمن نهى عن دينه، ورأى أنه قد انقطع عن الله، وحرم نصيبه من الله تعالى إذا تركه، فهؤلاء ضلال باتفاق علماء المسلمين، ولا يقول أحد من أئمة المسلمين‏:‏ إن اتخاذ هذا دينًا وطريقًا إلى الله تعالى أمر مباح، بل من جعل هذا دينًا وطريقًا إلى الله تعالى فهو ضال، مفتر، مخالف لإجماع المسلمين‏.‏ ومن نظر إلى ظاهر العمل وتكلم عليه، ولم ينظر إلى فعل العامل ونيته كان جاهلا متكلمًا في الدين بلا علم‏.‏
 فالسؤال عن مثل هذا أن يقال‏:‏هل مايفعله هؤلاء طريق وقربة وطاعة لله تعالى يحبها الله ورسوله أم لا ‏؟‏ وهل يثابون على ذلك أم لا ‏؟‏ وإذا لم يكن هذا قربة وطاعة وعبادة لله، ففعلوه على أنه قربة وطاعة وعبادة وطريق إلى الله تعالى ‏.‏ هل يحل لهم هذا الاعتقاد ‏؟‏ وهذا العمل على هذا الوجه ‏؟‏
 وإذا كان السؤال على هذا الوجه لم يكن للعالم المتبع للرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول‏:‏ إن هذا من القرب والطاعات، وأنه من أنواع العبادات، وأنه من سبيل الله تعالى وطريقه الذي يدعو به هؤلاء إليه، ولا أنه مما أمر الله تعالى به عباده‏:‏ لا أمر إيجاب، ولا أمر استحباب، وما لم يكن من الواجبات والمستحبات فليس هو محمودًا، ولا حسنة، و لا طاعة، ولا عبادة، باتفاق المسلمين‏.‏
 فمن فعل ما ليس بواجب ولا مستحب على أنه من جنس الواجب أو المستحب فهو ضال مبتدع، وفعله على هذا الوجه حرام بلا ريب‏.‏ لا سيما كثير من هؤلاء الذين يتخذون هذا السماع المحدث طريقًا يقدمونه على سماع القرآن وجدًا وذوقًا‏.‏ وربما قدموه عليه اعتقادًا، فتجدهم يسمعون القرآن بقلوب لاهية، وألسن لاغية، وحركات مضطربة‏.‏ وأصوات لا تقبل عليه قلوبهم، ولا ترتاح إليه نفوسهم، فإذا سمعوا ‏[‏المكاء‏]‏ و ‏[‏التصدية‏]‏ أصغت القلوب، واتصل المحبوب بالمحب، وخشعت الأصوات، وسكنت الحركات، فلا سعلة، ولا عطاس، ولا لغط، ولا صياح، وإن قرؤوا شيئًا من القرآن، أو سمعوه كان على وجه التكلف والسخرة، كما لا يسمع الإنسان ما لا حاجة له به، ولا فائدة له فيه، حتى إذا ما سمعوا مزمار الشيطان أحبوا ذلك، وأقبلوا عليه، وعكفت أرواحهم عليه‏.‏
 فهؤلاء جند الشيطان، وأعداء الرحمن، وهم يظنون أنهم من أولياء الله المتقين، وحالهم أشبه بحال أعداء الله المنافقين، فإن المؤمن يحب ما أحبه الله تعالى، ويبغض ما أبغض الله تعالى، ويوالي أولياء الله، ويعادي أعداء الله، وهؤلاء يحبون ما أبغض الله، ويبغضون ما أحب الله، ويوالون أعداء الله، ويعادون أولياءه، ولهذا يحصل لهم تنزلات شيطانية بحسب ما فعلوه من مزامير الشيطان، وكلما بعدوا عن الله ورسوله وطريق المؤمنين قربوا من أعداء الله ورسوله، وجند الشيطان‏.‏
 فيهم من يطير في الهواء والشيطان طائر به، ومنهم من يصرع الحاضرين وشياطينه تصرعهم‏.‏ وفيهم من يحضر طعامًا، وإدامًا، ويملأ الإبريق من الهواء والشياطين فعلت ذلك‏.‏ فيحسب الجاهلون أن هذه من كرامات أولياء الله المتقين، وإنما هي من جنس أحوال الكهنة والسحرة وأمثالهم من الشياطين، ومن يميز بين الأحوال الرحمانية والنفسانية والشيطانية لا يشتبه عليه الحق بالباطل‏.‏

وقد بسطنا الكلام على ‏[‏مسألة السماع‏]‏ وذكرنا كلام المشائخ فيه في غير هذا الموضع، وبالله التوفيق والله أعلم‏.‏ وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم‏.


مجموع فتاوى ابن تيمية رحمه الله
http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=117299






الجمعة، 9 سبتمبر 2011

السكوت عن أهل البدع

السؤال :
يقول البعض : إن توضيح منهج السلف الصالح سبّب الإنتكاسة في صفوف الشباب وتنافي الحكمة التي تجمع للإستقامة وتقرب للهداية ، فما حكم هذه المقولة بارك الله فيكم ؟


الجواب :
قد تقدم ما يدين هذا القول في الإجابة عن الأسئلة التي سلفت وأن السكوت كتمان للحق (( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون )) [ البقرة : 159 ] .
فليهنأ هؤلاء بمثل هذه اللعنات ـ نعوذ بالله من ذلك ـ يسمون كتمانهم حكمة ، ويسمون حماية البدع بالحكمة ، كيف يعرف الناس الحق وأنت ساكت ؟ الفتنة والفرقة إنما جاء بها أهل البدع والأهواء ، والدعوة إلى الله وإلى كتاب الله والتمسك بالكتاب والسنة هي دعوة للأمة كلها ، الفتن والإفتراق والخلافات التي جاءت كلها عن طريق أهل الباطل وأهل الفتن ، وهم ما يفترون ، وهم ينشرون باطلهم في صحفهم في مجلاتهم في أشرطتهم ويريدون من أهل الحق أن يسكتوا .
صوت الحق هو الذي يجب أن يسكت عندهم ، وصوت الباطل له أن يعلو ويشاع في الأرض ! هل هم سكتوا ؟! أهل الباطل ، ما يسكتون ولا يفترون ولا يهدءون ، ولهم خطط ينفذونها جهنمية ، ثم هم يطلبون من أهل الحق أن يسكتوا (( ودّوا لو تدهن فيدهنون )) [ القلم : 9 ] .
قال الله عزوجل لمحمد صلى الله عليه وسلم : (( ولا تطع كلّ حلاّف مهين ـ همّاز مشآء بنميم ـ منّاع للخير معتد أثيم ـ عتلّ بعد ذلك زنيم ـ أن كان ذا مال وبنين ـ إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين )) [ القلم : 10 ـ 15 ] .
يجيء للمنهج السلفي يقول لك : هذا يفرّق ! هذا يمزّق ! الذي فرّق ومزّق الأمة هي الأهواء والضلالات التي يتحمس لنشرها أهل الباطل ، الآن في الانترنت مواقع للباطل ، في الصحف في المجلات في المدارس في كل مكان ينشرون باطلهم ، والشيء الذي يصعب عليهم أن يسمعوه هو صوت الحق .



المصدر :
شبكة سحاب السلفية
فتاوى فضيلة الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله [ ج 1 ص 211 ]
     

http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=121466

الرد على من يقول أكثرت يا شيخ ربيع من الردود

الرد على من يقول أكثرت يا شيخ ربيع من الردود

قال الشيخ ربيع بن هادي المدخلي –حفظه الله-:
((فإن قلت : لماذا كل هذا مع سيد قطب ؟
فأجيبك :
لماذا وقع أكثر من هذا أضعافا مضاعفة مع الجهم بن صفوان ، والجهمية ، ومع عمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء، وأبي هاشم الجبائي ، والجاحظ ، وثمامة بن أشرس ، ومع الروافض ورؤوسهم ، والجبرية ورؤوسهم ، والمرجئة ورؤوسهم ، والصوفية ورؤوسهم ، بل والأشعرية ورؤوسهم منذ ذرت قرون هذه البدع إلى يومنا هذا .
واقرأ كتب الجرح والتعديل والكتب التي خصصت للجرح .
واقرأ كتب السنة (العقائد الصحيحة)، وانظر ماذا قالوا في أهل البدع وأئمتهم ودعاتهم وطوائفهم .
واقرأ كتب المقالات ، وكتب الملل والنحل حتى لمن وقعوا في بدع حيث لم يسعهم السكوت عما يرونه باطلا.
فقد انتقدوا الفرق والأشخاص ، وبينوا ما وقعت فيه كل فرقة من ضلال وانحراف عن الحق الذي جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فقد ذكر العلماء من رؤوس أهل الضلال مثل :
1- غيلان بن أبي غيلان الدمشقي ، كان يدعو إلى القدر، فقتله هشام بن عبد الملك، فكتب إليه رجاء بن حيوة: بلغني يا أمير المؤمنين أنه دخل عليك شيء من قتل غيلان وصالح، وأقسم لك يا أمير المؤمنين أن قتلهما أفضل من قتل ألفين من الروم والترك الضعفاء " [للعقيلي ( 3/ 437 ) ].
2- الجعد بن درهم، عداده في التابعين، مبتدع ضال، زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، فقتل على ذلك بالعراق يوم النحر، والقصة مشهورة.
3- معبد الجهني، أول من تكلم في القدر.
ذكر عبد القاهر بن طاهر البغدادي هؤلاء الثلاثة من القدرية ثم قال: وتبرأ منهم المتأخرون من الصحابة كعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وأبي هريرة، وابن عباس، وأنس بن مالك، وعبد الله بن أبي أوفى، وعقبة بن عامر، وأقرانهم. وأوصوا أخلافهم بأن لا يسلموا على القدرية ولا يصلوا على جنائزهم ولا يعودوا مرضاهم[الفرق بين الفرق " (ص 18 - 20)].
وذكر العلماء فرق الضلال ورؤوسها بكل ما يستحقونه من المقت والطعن، وما أثروه عنهم من خبث المعتقد.
فذكروا البكرية أتباع بكر بن أخت عبد الواحد بن زيد، والضرارية أتباع ضرار بن عمرو، والجهمية أتباع جهم بن صفوان، والهشامية أتباع هشام بن الحكم أو أتباع هشام الجواليقي، والزرارية أتباع زرارة بن أعين، واليونسية أتباع يونس القمي، هذه من فرق الروافض.
وتحدثوا عن فرق الخوارج كالأزارقة أتباع نافع بن الأزرق الحنفي ، والنجدات أتباع نجدة بن عامر الحنفي ، والصفرية أتباع زياد الأصفر، والصلتية أتباع صلت بن عثمان وقيل : الصلت ابن أبي الصلت ، والحمزية أتباع حمزة بن أكرك ، والإباضية أتباع عبد الله ابن إباض وهم فرق .
وعن فرق المرجئة كالنجارية أتباع الحسين بن محمد النجار، والبرغوثية أتباع محمد بن عيسى الملقب برغوث ، واليونسية أتباع يونس بن عون ، والغسانية أتباع غسان المرجىء، والتومنية أتباع أبي معاذ التومني ، والثوبانية أتباع أبي ثوبان المرجىء ، والمريسية أتباع بشر المريسي .
وعن مرجئة الفقهاء كحماد بن أبي سليمان ، وأتباعه من أهل الكوفة وعن الخطابية والكرامية والمشبهة، وسائر أصناف أهل البدع ، فلم يسكت أئمة السنة عن أهل البدع أفرادا أو جماعات .
بل حتى من وقع في بدعة لم يسكت عنهم ، وألف عدد من هذا الصنف مؤلفات في طوائف أهل البدع ، وبين زيغهم وضلالهم سواء كانت هذه البدع مكفرة أو غير مكفرة .
إن دافع ذلك البيان الواسع الذي يأخذ حيزا كبيرا من المكتبات الإسلامية، بل تزخر به المكتبات الإسلامية هو النصيحة لله ، ولكتابه ، ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ولأئمة المسلمين وعامتهم .
هذا المبدأ يشعر به ويحس به حتى من وقع في بدع فما بالك بأهل السنة المحضة .
وليتذكر المطلع الناصح كم كتب شيخ الإسلام ابن تيمية من الكتب نقدا للأشعرية وحدهم ، فما "الواسطية" و"الحموية" و"التدمرية" و"درء تعارض العقل والنقل " و"تلبيس الجهمية" إلا بعض من جهوده وجهاده في نقد الأشعرية مع أنه يراها أقرب الطوائف إلى السنة، ولم يسكت هذا الإمام الناصح عن الروافض والخوارج والمعتزلة وغيرهم من الفرق .
فهل يجب السكوت عن فكر الإخوان المسلمين وقد حوى جل أو كل ما ذكره شيخ الإسلام فيما نقلناه عنه آنفا ؟
وهل يجوز السكوت عنه وقد استخدم أخطر أساليب الغزو الفكري ، وأخطر خططه لغزو مؤسسات المنهج السلفي ومعاقله الشامخة ؟! وإن من أخطر وأفتك أسلحة هذا الغزو هي كتب سيد قطب ونسج الهالات الضخمة حول شخصيته وفكره ومنهجه وكتبه .
فهل السكوت عن كل هذا من النصيحة والأمانة، ومن الاعتصام بالكتاب والسنة ، والأخلاق الفاضلة ، والآداب الراقية أو هو من الغش والخيانة ؟!
قد يعذر من لا يعرف ذلك ولا يدركه لسبب من الأسباب التي يعذره الله بها، أما أنا وقد عرفت ذلك فقد آليت على نفسي لأقومن بذلك الواجب ما استطعت إلى ذلك سبيلا، فرارا من جريمة الغش الكبرى في الدين ، الغش لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم .
وفرارا من جريمة الكتمان وعواقبه الوخيمة التي توعد الله بها الكاتمين في قوله العظيم : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاعِنُونَ* إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة : 159 – 160] .
وقوله : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(174)أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ(175)ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}.
إن من يشحن تفسير كتاب الله بالبدع والأهواء والتحريف ، وإن من يؤلف كتبا يشحنها كذلك بالبدع والأهواء القديمة والحديثة باسم الإسلام يعتبر متجرئا على كتاب الله وسنة رسوله ، وآراؤه وأفكاره مشوهة للحق الذي نزل الله الكتاب به صارفة للناس عن الحق الذي تضمنه الكتاب والسنة التي هي بيان هذا الكتاب ، وذلك موجود في كتب هذه الفرقة، ولا سيما كتب سيد قطب ، وإني لأذكر الذين يعرفون كل هذا ويؤيدون هذه الدعوة من قريب أو بعيد بقول الله تعالى : {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.
إنني أنطلق في عملي هذا من منطلق النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ، متبعا لكتاب الله وسنة رسوله في التحذير من الضلال والبدع ، ومتأسيا بالسلف الصالح رضوان الله عليهم في جهادهم ، ونصحهم لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، والرد على أهل البدع جهاد.
أقول ذلك وإن ساءت ظنون المبطلين والمخذلين ، وإن كثرت إشاعات المرجفين ، فهذه سنة الله في خلقه ، صراع بين الحق والمنافحين عنه ، وبين دعاة الباطل وأنصار الباطل { ولن تجد لسنة الله تبديلا}
وأقول للمخدوعين المغشوشين : استخدموا عقولكم بجد وعزم وإخلاص وصدق ، وحاكموا ما يقدمه الناصحون لكم شفقة عليكم ورحمة بكم إلى كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنهج السلف الصالح ، وكل ذلك والحمد لله متوفر بين أيديكم ، فما وجدتموه موافقا لكل ما ذكرت فاقبلوه ، لا لأجل فلان وفلان ، بل لأنه الحق وما وجدتموه من خطأ فاضربوا به عرض الحائط كائنا من كان قائله .
وأخرجوا أنفسكم وعقولكم من الزنزانات والجدران المظلمة التي وضعكم فيها من لا يرقب فيكم إلا ولا ذمة من سماسرة السياسة والحزبية الذين لا يهمهم إلا تحقيق مطامعهم وأهدافهم السياسية .
واتقوا الله في أنفسكم فإنكم بهذا الاستخذاء والتبعية العمياء لا تضرون إلا أنفسكم ، ولا نملك إلا البيان الواضح والنصيحة التي أوجبها الله ، ولم يأل الناصحون فيكم جهدا، ولم يدخروا وسعا .
وأزيدكم وأبلغ في النصيحة فأقول لكم : اقرأوا كتاب الله ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وما دونه سلف الأمة الصالح وأئمتها في ذم التعصب والتحزب والهوى والبدع وأهلها ، لعل ذلك يساعدكم على الخروج مما أوقعكم فيه المخادعون .
أسأل الله الكريم أن يوفق شباب هذه الأمة وشيبها لاتباع الحق ، وموالاة أهله ، ولبغض الباطل والهوى والبدع وأهلها، خاصة المعاندين المخاصمين للحق وأهله . إن ربي لسميع الدعاء .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.)).

[FONT=الشهيد محمد الدره][من كتاب العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم ][/FONT]

[FONT=Traditional Arabic] المصدر موقع الشيخ حفظه الله
[/FONT]



http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=99449
منقول من كتاب منهج أهل السنة والجماعة في نقد الرجال والكتب والطوائف للعلامة ربيع بن هادي المدخلي ص 163/164

23- قال الحافظ ابن الصلاح رحمه الله: "قلت: ولقائل أن يقول: إنما يعتمد الناس في جرح الرواة ورد حديثهم على الكتب التي صنفها أئمة الحديث في الجرح والتعديل، وقل ما يتعرضون فيها لبيان السبب، بل يقتصرون على مجرد قولهم: فلان ضعيف، وفلان ليس بشيء، ونحو ذلك، أو هذا حديث ضعيف، وهذا حديث غير ثابت، ونحو ذلك.
فاشتراط بيان السبب يفضي إلى تعطيل ذلك، وسد باب الجرح في الأغلب الأكثر، وجوابه أن ذلك، وإن لم نعتمده في إثبات الجرح والحكم به؟ فقد اعتمدناه في أن توقفنا في قبول حديث من قالوا فيه مثل ذلك؟ بناء على أن ذلك أوقع عندنا فيهم ريبة قوية يوجب مثلها التوقف".
قال العراقي متعقبا ابن الصلاح: "ومما يدفع هذا السؤال رأسأ أو يكون جوابا عنه: أن الجمهور إنما يوجبون البيان في جرح من ليس عالما بأسباب الجرح والتعديل، وأما العالم بأسبابهما، فيقبلون جرحه من غير تفسير، وبيان ذلك أن الخطيب حكى في "الكفاية" عن القاضي أبي بكر الباقلاني أنه حكى عن جمهور أهل العلم: إذا جرح من لا يعرف الجرح، يجب الكشف عن ذلك. قال: ولم يوجبوا ذلك على أهل العلم بهذا الشأن. قال القاضي: والذي يقوي عندنا ترك الكشف عن ذلك إذا كان الجارح عالما كما لا يجب استفسار المعدل عما به صار المزكي عدلا إلى آخر كلامه، وما حكيناه عن القاضي أبي بكر هو الصواب " ( ) اهـ.
قلت: فأنت ترى أنهم لا يشترطون في الجارح أن يذكر الجوانب المشرقة في المجروح، وأن العالم بأسباب الجرح والتعديل يؤخذ كلامه مسلما عند جمهور العلماء، ويجب الكشف عن جرح غير العالم بأسباب الجرح والتعديل، ولا يتهمون أحدا بأنه ظالم إذا اقتصر على الجوانب المظلمة.
هذا هو المنهج الرشيد الذي يجب أن يعرفه الشباب السلفي، المنهج الذي دل عليه الكتاب والسنة، وسلكه خيار الأمة- محدثوها وفقهاؤها-، ومن شرط تطبيق هذا المنهج أن يكون الناقد مريدا بذلك وجه الله والنصيحة لله ولكتابه وصيانة دين الله وما حواه من عقائد وشرائع وعبادات.
ومما يؤسف له أشد الأسف أن أهل الباطل والبدع قد خدعوا كثيرأ من أذكياء طلاب العلم- فضلا عن غيرهم- بأنه لا يجوز الكلام في الدعاة، يريدون بذلك دعاة البدعة والضلال، يريدون بذلك إفساح المجال لانتشار خدعهم الهدامة، يريدون القضاء على دعوة التوحيد والسنة ومنهج السلف الصالح.
ومن فروع هذا المذهب الخداع هذه الشروط التي يشترطها بعض أبناء التوحيد: أنه لا بد في نقد أهل البدع - أو من يسمون بالدعاة من ذكر الجوانب المشرقة إلى جانب ذكر الجوانب المظلمة...

عقد الصلح و السكوت عن أهل البدع مداهنة و يجب بيان الحق مهما كان لشيخ العثيمين رحمه الله

السؤال:

بعض إخواننا الدعاة إلى الله عز وجل في البلاد رأوا أن من المصلحة أنهم يتفقون مع الصوفية في عدم الكلام في المحاضرات أو في الخطب في الاستواء مثلاً أو الاستغاثة وغيرها من الأشياء، واستدلوا باتفاق النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود، فهل الاستدلال صحيح يا شيخ؟ ما توجيهكم؟

الجواب:

لا هذا الاستدلال غير صحيح؛ لأن هذا الذي تذكر هو قوله تعالى: { وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } [القلم:9]، المداهنة في الدين لا تجوز، والرسول عليه الصلاة والسلام إنما صالح اليهود على ألا يعتدي أحد على أحد، لا على أن نرضى بدينهم أبداً ولا يمكن يرضى الرسول بدينهم أبداً، وهذا الذي تذكر يعني الرضا بما هم عليه من الباطل، فالمصالحة على هذا الوجه هي مداهنة في الواقع، والمداهنة محرمة، لا يجوز لأحد أن يداهن أحداً في دين الله، بل يجب بيان الحق مهما كان، لكن من الممكن إذا رأوا من المصلحة ألا يبدءوا بالإنكار قبل كل شيء، وأن يبدءوا أولاً بالشرح الصحيح، فمثلاً إذا تكلم عن الاستواء كما قلتم يشرح معنى الاستواء ويبين حقيقته دون أن يقول ويوجد أناس يفسرونه بكذا إلا بعد أن يتوطن الناس ويعرفوا الحق ويسهل عليهم الانتقال من الباطل إلى الحق.

المصدر: لقاء الباب المفتوح الشريط 156

   

الخميس، 1 سبتمبر 2011

كان السلف يبدعون بسبب أصول في الدين و الآن يبدع الرجل بسبب الثناء على أهل البدع ، فما رأيكم يا شيخنا ؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
أنقل لكم هذه المادة من موقع سحاب السلفية لأهميتها 
هذا يقول: كان السلف يبدِّعون بسبب أصول في الدين، القدرية، الخوارج، المرجئة، والآن يبدع الرجل بسبب الثناء على أهل البدع، ما رأيكم يا شيخنا؟.

الجواب: أنا سأنقل لك فتوى شيخنا الشيخ عبد العزيز ودَعْكَ مني، سئل-رحمه الله-في شرح كتابه كتاب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله-(فضل الإسلام)، عن الذي يثني على أهل البدع هل يلحق بهم؟، قال: نعم هذا داعٍ لهم.

وهو مسجل بصوته، وقد سررت به طبع مؤخرًا رأيته في هذه الإجازة مطبوعًا، وانشدوه تجدون الجواب فيه ودعوكم من محمد بن هادي، ومن أحيل على مليء فليحتل.

نعم ما يثني على الرجل إلا وهو يرتضي مذهبه لا شك ولا ريب، يثني عليه بعدما يعلم أنه مبتدع!، ما يمكن. 
إن القلوب لأجنــاد مجنـدة......قول الرسول كلام ليس يختلــف 

فما تعارف منها فهو مؤتلـف......وما تناكر منها فهــو مختلــف


إذاكان يثني على أهل البدع ويشيد بهم ماذا يصير؟، هذا داعية لهم، وهو منهم بلا شك، داعية وهو منهم بلا شك.

طيب، ما تقولون في الذي قال: 

يا ضربة من تقي ما أراد بهــا......إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانًــا

إني لأذكره يومًـــا فأحسبه......أرجى البريــة عند الله ميزانًـا.

ما رأيكم فيه؟.

هذا يمدح عبد الرحمن بن ملجم الذي قتل أمير المؤمنين علي-رضي الله عنه-.

ما رأيكم؟.

فين نحطُّه؟.

أنا أسألكم أجيبوا، أجيبوا ما لكم سكتُّم؟!.

هذا الذي يمدح الذي قتل أمير المؤمنين علي-رضي الله عنه-غدرًا وهو يدعو الناس إلى صلاة الفجر، يمدحه.

أين نضعه؟.

نضعه مع أبو بكر وعمر! حاشا وكلَّا، نضعه مع قومه مع الخوارج، يمدح عمران بن حطَّان، فهكذا الذي يمدح أهل البدع معهم.

قال شاعر أهل السنة: 
يا ضربة من شقي ما أراد بهــا......إلا ليبلغ من ذي العرش خسرانًا

إني لأذكره يومًـــا فألعنـه......دينًا وألعن عمران بن حطـان


ردًا عليه، قال له: أنت عمران بن حطان؟، قال نعم، فنزل عليه، قال: فانهال الناس عليه ضربًا بالجريد والنعال، يستحق ذلك.

أمير المؤمنين-رضي الله عنه-، مُبَشَّرٌ بالجنة، ابن عمِّ رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وصهر رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، مفتدي رسول الله-صلى الله عليه وسلم-بروحه ليلة الهجرة، يمدح قاتله؟!.

من قتله؟، عبد الرحمن بن ملجم.

وعبد الرحمن بن ملجم كان في مصر، وقد أمر عمر بأن يبنى له دار قريبة من دار الخلافة وأن يجرى عليه الرزق من بيت المال كتب إلى عمرو بن العاص.

ليش؟، حتى يفرَّغ لتحفيظ الناس القرآن، ويعلمهم الفقه، كان فقيه، وقال لعمرو بن العاص، قال له: آثرتك به على نفسي؟.

هذا قول من يا ناس؟، قول أمير المؤمنين عمر المحدَّث الملهم، (لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر) يقول النبي-صلى الله عليه وسلم-.

هذا عمر يقول في هذا الرجل هذه الشهادة نأخذها على طول؟، ولَّا تغيرت؟، تغيرت أبدًا، فذاك قال-رضي الله عنه-ما قاله على حسب ما علمه منه ذاك اليوم ثم ختم الله له بالشقاوة فصار هذا الذي صار منه.

وهكذا أنا أوردت هذه القصة لأخرج منها: أن العالم قد يثني على شخص ثمَّ يمر مدة ويتغير (القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء)، فيزيغ هذا الذي بالأمس أثنى عليه إمام عالم حبر كبير، زل.

النبي-صلى الله عليه وسلم-يوم القيامة يؤتى بأقوام فيختلجون من الحوض فيقول: أمتي أمتى، فيقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيقول الرسول-صلى الله عليه وسلم-: سحقًا سحقًا، ويقول: ولا أقول إلا كما قال العبد الصالح (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (11(المائدة)، فشهد بما كان في حياته-صلى الله عليه وسلم-، وما بعد مماته الله يتولاه.

(وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ...) الآية.

فهذا حال العاقل يشهد بما أدركه وما علمه، وأمَّا ما كان بعد ذلك لا يشهد به.

وهكذا العاقل يشهد بالصلاح أيام كان المرء صالحًا، فإذا تغير الحكم فعمر يقول هذا في ابن ملجم، بعد ذلك عمر-رضي الله عنه-صادق شهد بما علم في حياته، لكن زاغ الرجل بعد ممات عمر-رضي الله عنه-، فهل يبقى حكم عمر واحد؟، لا أبدًا ذاك على ما كان وهذا على ما يكون.

فهكذا العالم إذا شهد للإنسان بخير ثمَّ نكص بعد ذلك على عقبيه تستمر شهادته كما نرى الآن من أهل الأهواء ومن أهل التحزبات؟، أبدًا ما يمكن.

الواقع بحاله والعبرة بحاله الآن، فإن كان على ما كان عليه أولًا فنعم وإلا فلا، وكثير من هؤلاء الذين يرمز إليهم في هذه الأسئلة ما يجرؤون على أن ينبزوا ببنت شفة في أيام الشيخ عبد العزيز وأيام الشيخ ناصر الدين الألباني وفي أيام الشيخ مقبل في اليمن وهكذا.

لِمَ؟، لأنهم يخافون، كلمة واحدة من واحد من هؤلاء في واحد من هؤلاء تسقطه، الآن لأ ظنوا أنهم تساووا والباقين، غلط!.

يظن أنه مثل الشيخ ناصر فلبس لباس الشيخ ناصر، حاشا وكلا يزري به، لباس الشيخ ناصرطويل عريض إذا لبسه صار فضفاضًا عليه فيصير أضحوكة فيه، هذا ليس قميصه هذا قميص الشيخ ناصر.

وآخر يلبس لباس الشيخ ابن باز يظن أنه هو، هذا يضحك الناس على نفسه، لباس الشيخ ابن باز طويل عريض ما هو لباسه ليس على مقداره، فيضحك الناس لأنه إذا لبسه طلع واسعًا فضفاضًا عريضًا ليس منزلته فيضحك الناس عليه، يمشي ويعثر فيه من طوله ومن عرضه كذلك، يضحك الناس لأنه ليس ثوبه هذا.

وهكذا مقبل وهكذا، فظن بعض الناس أن هؤلاء هَؤلاء بين هذا وهذا، ولعلنا نختم بهذا والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين[1].

قام بتفريغه: أبو عبيدة منجد بن فضل الحداد 
الجمعة الموافق: 19/ رمضان/ 1432 للهجرة النبوية الشريفة. 

[1] من محاضرة قيمة ألقاها فضيلة الشيخ د. محمد بن هادي المدخلي-حفظه الله تعالى-في مسجد ذي النورين بالمدينة النبوية، يوم السبت الموافق 29 شعبان من عام1432هـ، وقد نقلت مباشرة عبر موقع ميراث الأنبياء، نسأل الله-سبحانه وتعالى-أن ينفع بها.


http://www.ajurry.com/vb/showthread.php?t=20631