السبت، 22 أكتوبر 2011

ما معنى حديث ‏(سيخرج أقوام من أمتي يشربون القرآن كشربهم اللبن)

بسم الله الرحمن الرحيم



جواب سؤال الغزي السلفي عن حديث( شرب القرآن كاللبن(



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد



فقد سألني بعض إخواننا والذي رمز لاسمه بالغزي السلفي وأظنه من فلسطين عن حديث قد أخرجه

الطبراني في معجمه الكبير (ج:17 ص:297 ) برقم( 821 ) قال حدثنا يحيى بن أيوب العلاف
المصري ثنا سعيد بن أبي مريم أنا نافع بن يزيد حدثني بكر بن عمرو أنه سمع مشرح بن هاعان يقول
سمعت عقبة بن عامر يقول قال رسول الله سيخرج أقوام من أمتي يشربون القرآن كشربهم اللبن...ما معناه؟؟!!



فأقول جوابا على سؤال أخي :



أولا:-من جهة ثبوته وتعليق العلماء عليه فقد قال صاحب مجمع الزوائد ج:6 ص:229 عن عقبة ابن عامر قال: قال رسول الله سيخرج ناس من أمتي يشربون القرآن كشربهم اللبن رواه الطبراني ورجاله ثقات قلت والحديث حسنه الألباني حديث رقم 1886السلسلةالصحيحة المجلد الرابع صفحة507فرحمه الله من مجدد لعلم الحديث ، وهو كما قال فالسند،أخرجه الطبراني في معجمه الكبير فقال حدثنا يحيى بن أيوب العلاف المصري ثنا سعيد بن أبي مريم أنا نافع بن يزيد حدثني بكر بن عمرو أنه سمع مشرح بن هاعان يقول سمعت عقبة بن عامر يقول قال رسول الله فذكره ،فيحي بن أيوب قال عنه بن حجر صدوق ربما أخطأ ،وسعيد بن أبي مريم ثقة ونافع بن يزيد الكلاعي ثقة عابد وبكر بن عمرو المعافري صدوق ومشرح بن هاعان وثقه بن معين وقال بن عدي لا بأس به ومن أجل مرتبة يحيى بن أيوب وبكر بن عمرو وهي الصدق فيحكم على إسناده بالحسن ..



ثانيا:- من جهة معناه قال صاحب فيض القدير   فيض القدير ج:4 ص:118
سيخرج أقوام من أمتي يشربون القرآن كشربهم اللبن أي يسلقونه بألسنتهم من غير تدبر لمعانيه ولا تأمل في أحكامه بل يمر على ألسنتهم كما يمر اللبن المشروب عليها بسرعة ( طب) عن عقبة بن عامر قال الهيثمي رجال ثقات وظاهر صنيع المصنف أن ذا لم يخرجه أحد من الستة وهو ذهول عجيب فقد خرجه مسلم باللفظ المزبور عن أبي هريرة وهكذا عزاه له في مسند الفردوس وغيره ..انتهى



وأقول بهذه المناسبة كما قال أبو بكر الطرطوشي المالكي صاحب كتاب الحوادث والبدع إن مما ابتدعه أهل هذا الزمان أنهم صاروا يقرئون القرآن من غير أن يتدبروا معانيه أو يتفقهوا فيه،فيتعلموا أحكامه حلاله وحرامه وناسخه و منسوخه بل صار الواحد منهم لا يختم إلا في رمضان همه آخر السورة،

ولذلك فلا ترى أثر القرآن عليهم في سلوكهم ،كغض البصر وقد قال تعالى "قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ "(النور:30) وفي أخلاقهم كالصياح عند الخصومة مع قوله تعالى: (وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) (لقمان:19) بل أطلقوها بالنظر في صور المتبرجات الكاسيات العاريات في الأسواق والقنوات وأعرضوا عن طلب العلم مع كون النبي لم يطلب منه التزود من شيء إلا من العلم ،فقال تعالى( وَقل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا )(طه:114) فتركوا التفقه وانشغلوا بالقيل والقال مع كونهم يقرؤون القرآن.



ولقد كان ذلك خلق بعض بني إسرائيل فليخشوا من دخولهم في قول نبيهم من تشبه بقوم فهو منهم
كما جاء في الحديث وقد قال تعالى :( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ ) (البقرة:78) وأماني أي تلاوة فلا يعلمونه منه إلا القراءة ربما أتقنوها وأما معانيه فلإعراضهم عن تعلمها عن علماء السلف كابن عباس وابن مسعود وعطاء ومجاهد وطاووس وسعيد ابن جبير وترك تدبرها صاروا يظنون معانيه بالرأي بلا ركن وثيق من العلم بالسنة يستندون إليه حتى ضيعوا دينهم ،كمنع بعض العامة من الحلف ظنا أن قوله تعالى (وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ)(البقرة:244) )دليلا على ذلك تفسيرا بلا علم مع أن الله قد بين متى يكون ذلك فآخر الآية يفسرها وهو قوله تعالى:( أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ)أي لا تجعلوا أيمانكم مانعة من البر والتقوى،كقولهم والله ما عاد أزور عمتي أو أبي ونحو ذلك بل لهم حظ أحيانا من الاقتباس المشين كقولهم عن الشرط فأخذوني بلا تحقيق خذوه فغلوه !!!! مع اختلاف الآخذتين فأخذة الله أخذة عدل وأخذة من يصف أخذة ظلم،وهؤلاء اليوم تشابهت قلوبهم بهم مع أن الله قد بين الآيات الآمرة بالتدبر ولكن ما ستفاد منها إلا أتباع سلفنا الصالح أهل الحديث فهم كما قال الإمام أحمد خير من تكلم في العلم الذين جعلوا انتمائهم للكتاب وسنة على فهم الصحابة وعلماء سلف الأمة لا الذين كان انتمائهم لجماعة مرجعها الرأي والهوى والتحزب في الدين وترك الدعوة للتوحيد والسنة والولاء و البراء فيهما،كالتي قالت نتعاون فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه حتى عذروا الرافضة وصادقوا القائلين أن القرآن ناقص الذي بين أيدينا و الجهمية نفاة صفات الرب، وشعنوا على أهل الحق من أهل الحديث السلفيين الدعاة للتوحيد والسنة وهم يقرؤون قوله تعالى(وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)(الروم/32( .. ولكن لا يفقهون لأنهم عن فهم كتاب ربنا على فهم السلف معرضون وعلى الانتماء لغير الكتاب والسنة بفهم السلف من الجماعات مقبلون فقال تعالى :( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ) وما قال أنزلناه للقراءة المجردة دون العلم به والعمل،وإلا فما فائدة إنزاله وقال أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ..نعم القارئ موعود بكل حرف حسنة ،كما دلت على ذلك السنة ،ولكنهم غفلوا عن حكمة ذلك وأن من الحكمة في ذلك أنه قد يكون ذلك الأجر بمثابة الجائزة المرغبة في القراءة المؤدية للعمل ..والله أعلم ،



مع أننا نقول هو متعبد بمجرد تلاوته ولكن لو قدر أن قوما أعطوا كتابا في الطب ليتعلموه فصاروا يتلونه صباح مساء،ولا يفهمونه لما كانت في تلك القراءة المجردة عن الفهم علاجا للأمراض المهلكة إذا نزلت بهم، قال الطرطوشي رحمه الله ولقد قرأ ابن عمر البقرة في ثمانية سنوات قلت مع كونه عربيا حافظا للحديث
حتى عده أهل العلم من المكثرين من رواية الحديث ،حتى قال الناظم :والمكثرون بحرهم وأنس عائشة وجابر مقدس ،صاحب دوس وكذا بن عمر ربي قني والمكثرين الضرر فعلة ذلك كما قال الطرطوشي المالكي لأنه يتعلم أحكامها حلالها وحرامها ناسخها ومنسوخها ...إلخ أو كما قال رحمه الله قال الحسن أو غيره يقول أحدهم والله قرأت القرآن ما أسقطت منه حرفا ولقد أسقطه كله ما يرى أثره عليه..أو كما قال،وليس الشأن في كثرة الختمات والتلاوة ولكن الشأن في التدبر والعمل الذي من أسبابه كثرة القراءة المتبعة،ولقد روى الدارمي في مسنده بسنده إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن ابن مسعود قال لأولئك الذين عبدوا الله ولكن على غير طريقة رسول الله والصحابة فرآهم يسبحون بالحصى وداع يقول سبحوا مائة هللوا مائة..أو كم قال ، ولقد حدثنا رسول الله عن أقوام يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم وما أظنكم إلا منهم ،فمع كونهم يكثرون من قراءة القرآن ولكن لا يجاوز تراقيهم، قيل في شرحه أي لا يفهمونه ..



ونقيد هنا قيدا مهما للغاية وهو فهم السلف مع كون الذين أنكر عليهم ابن مسعود عربا قريبي عهد من صدر الإسلام،أو هم فيه وهو عصر الاحتجاج باللغة قبل أن يتغير اللسان ولكنهم لا يمكنهم فهمه بظاهر لغة اللسان من غير رجوع إلى فهم الصحابة الكرام، ولذلك ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن فهم
القرآن على مقتضى كتب اللغة والأدب إعراضا عن فهم السلف طريقة الملاحدة والعياذ بالله ..
فإنك تلمس ذلك الإعراض عن فهمهم بترك قراءة كتب التفسير بالمأثور كالطبري والبغوي وابن كثير،والدر المنثور ،والإقبال على كتب تفسيره بالرأي المذموم كتفسير سيد قطب وعبدالمجيد الزنداني،والإعجاز العلمي للقرآن لمس اليد فسيد قطب يفسر آية الاستواء على العرش بالكناية عن الهيمنة،والسيطرة معطلا بذلك صفة الاستواء الحقيقي الموروث عن السلف بإجماع والذي يليق بجلال الله،إثبات بلا تشبيه ونفي بلا تعطيل إثبات للمعنى وهو الاستعلاء وتفويض لكيفيته لله سبحانه..ويفسر الزنداني قوله)لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ)(الانشقاق :19(بالصاروخ يصعد إلى السماء فينفصل طبقا عن طبق ،مخالفا بذلك قول رسول الله فيما رواه عنه البخاري عن ابن عباس في قوله لتركبن طبقا عن طبق أ ي حالا بعد حال قالها له رسول الله
،وكذلك الخوارج المعرضون منذ القديم إلى عصرنا عن تلقي العلم على أيدي كبار العلماء حتى ذهب
إليهم ابن عباس وهم في عزلتهم وناظرهم ولم يأتوا هم عنده لتلقي العلم بل كانوا ولا يزالوا مسيئين
للظن فيهم حتى أعرضوا عن فهمهم رضي الله عنهم للكتاب وقنعوا بفهومهم السقيمة ،والتي كان
إستدلالهم من كتاب الله للإعتضاد لا للإعتماد فعمدوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوا يكفرون بها
المسلمين ويستحلوا دمائهم فإذا رأيت الرجل يطعن في الأمراء ويسقط العلماء الكبار فاعلم أنه منهم
أو فيه من لوثتهم التي فرقت جمع المسلمين على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة،فانظر إلى
إعراضهم عن تفسير ابن عباس لقوله تعالى ) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )[المائدة:44[ فقد قال ابن عباس إذا جحد الحاكم حكم الله فهو الكافر وإذا لم يجحد فهو فاسق ظالم ولم يخلفه أحد من الصحابة ثم يأتون هؤلاء سفهاء الأحلام ،حدثاء الأسنان يقولون هو رجل ونحن رجال ، يمرقون من الدين بعد أن ابتدعوا تفسير القرآن بالهوى والرأي والحماسات الزائفة والإعراض عن فهم
الصحابة واحتجوا على أهوائهم بالخلاف وهم يقرؤون قوله تعالى(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء:59[. ولكن هذّا  كهذّ الشعر يشربونه من سرعة التلاوة وعدم الفهم،وترك التدبر والتعلم لإحكامه كما يشربون اللبن ولا يحتج بالخلاف كما قال ابن عبدالبر إلا جاهل،فاحتجوا بالخلاف على جواز التمثيل الإسلامي زعموا والأناشيد المطربة بلحون الفساق ..وغير ذلك



ولقد قال الإمام أحمد سمعت يحيى ابن سعيد القطان يقول الذي يأخذ بمذهب أهل الكوفة في شرب
النبيذ وأهل المدينة في جواز سماع الأغاني وأهل مكة في المتعة فهو فاسق ، ويقول شيخ الإسلام إذا اختلف العلماء فلا يجعل قول عالم حجة على عالم إلا بالأدلة الشرعية ،وقال لا يفتي أحد بقول أحد حتى يعرف وجه صحته..



فكانت تلك القراءة السريعة والتي هي كشرب اللبن الخالية من التدبر والدراسة والفهم لطريقة السلف طريقا للهلاك وسفك دماء الموحدين وسرقة أموالهم واستباحة أعراضهم وفشوا البغضاء،والتنافر بينهم فالباديء أظلم فعمدوا يقرؤون آيات بلا تدبر نزلت في الكفار فجعلوها في المسلمين ، فمن أعرض عن فهم الصحابة لكتاب الله كان ذلك المصير المخزي مصيره ،قال صلى الله عليه وسلم(وكتبت الذلة والصغار لم خالف أمري (



فنذكر الآن صورا معاصرة من المخالفات مما له يتعلق بالإعراض عن تدبر معاني القرآن والإشتغال
بمعانيه تلاوة وتجويدا وتطريبا ...إلخ :



1- شغل الأوقات بحفظه والإعراض عن دراسته وفهمه على طرقة سلفنا الصالح رحمهم الله..



2- الاعتناء بتجويد حروفه والانشغال بذلك حتى تقام ألفاظه كالقدح والغفلة والاستغناء بذلك عن تدبره وفهمه..



3- التطريب واستمالة القلوب لسماع الأنغام المحزنة للقراء وتتبع الأصوات الحسنة المطربة دون الالتفات إلى المعاني العظيمة التي تتلى وقد قال تعالى {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ.} [ الحشر: 21 [



4- ترك الرجوع إلى كتب التفسير بالمأثور كالطبر ي شيخ المفسرين وابن كثير ودراستها والاكتفاء عجزا أو كسلا أو إتباعا للهوى لتفسيره بالرأي ، أو كتب التفسير بالرأي والتي لا تعتمد على النقل عن النبي والصحابة في تأويل القرآن كتفسير الشعراوي الصوفي والذي لا يثبت العلو للرحمن بل يدرس في مسجد يطاف فيه على بعض الأوثان ولا ينكر والتي كذلك لا تعتمد على مذهب السلف في تقرير صفات الرب كتفسير الصابوني الأشعري
5- مع أنهم من الممكن رجوعهم إذا كسلوا أو عجزوا إلى مختصرات على طريقة السلف في التفسير نافعة كتفسير السعدي ومختصر تفسير ابن كثير وزبدة التفسير للأشقر وليحذر من الجلالين..وليقرأ على عالم سلفي..



6- جعل كلام الله والعياذ بالله وسيلة للإرفاه القلبي بالتطريب وتقليد أصوات القراء المشهورين و أئمة الحرم في السيارة وفي الخلوة ، دون قصد التعبد والخشوع في القراءة طلبا للثواب والعمل بل يقرأه مقلدا مطربا وقلبه مسافر عند الأحباب والأقرباء وهو يطرب يتلذذ بذلك متمنيا الإسماع وأن الناس لو سمعوا قرائتي لعرفوا منزلتي وأني قاريء وتمني المنكر منكر، بل ربما هو طريق إليه وهو الرياء المذموم وكذلك من تلاعب الشيطان بالقراء ليصرفهم عن تدبره والعمل به ،وفي الحديث أول من تسعر بهم النار ثلاثة منهم من يقرأ ليقال قارئ، فقد يعطي ويشهر وتنتشر أشرطته في التسجيلات وهو من حطب جهنم وبئس المصير ،فالنجاة بالإخلاص وترك التكلف والتدبر والإقتداء بالرسول في طريقة القراءة مدا ويقف على رؤوس الآيه ، ففي ذلك إعانة على التدبر بعد قراءة التفسير ودراسته ولو مختصرا، واعتقاد أن الله يسمعه، فسبحان الذي وسع سمعه الأصوات ،وفي الحديث ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن،قال تعالى(إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) ( طه:46 ) وقال رسول الله الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك،ولم يقل رسول الله أن القاريء هو الذي يحسن التطريب بل قال القارئ من إذا سمعته علمت أنه يخشى الله ..



وكتبه / أبو عبدالله ماهربن ظافر القحطاني


توقير العلماء والكبار وأهل الفضل


44 ـ باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل

وتقديمهم على غيرهم ، ورفع مجالسهم ، وإظهار مرتبيهم



قال الله تعالى: ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ) [الزمر: 9] .

1/348 ـ وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله و سلم : (( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء ، فأعلمهم بالسنة ،فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء ،  فأقدمهم سناً ، ولا يؤمَنَ الرجل الرجل في سلطانه ، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه )) رواه مسلم (183) .

وفي رواية له : (( فأقدمهم سِلماً )) : بدل (( سِنا )) أو إسلاماً .

وفي رواية : (( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، وأقدمهم قراءة ، فإن كانت قراءتهم سواء فيؤمهم أقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سناً )) .

والمراد (( بسلطانه )) محل ولايته ، أو الموضع الذي يختص به .

(( وتكرمته )) بفتح التاء وكسر الراء : وهي ما ينفرد به من فراش وسرير ونحوهما .

2/349 ـ وعنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول : (( استووا ولا تختلفوا ، فتختلف ، قلوبكم ، لِيلِني منكم أولو الأحلام والنهى ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم )) رواه مسلم (184) .

وقوله صلى الله عليه وسلم : (( لِيلِني )) هو بتخفيف النون وليس قبلها ياء ، وروي بتشديد النون مع ياء قبلها (( والنهى )) : العقول ، (( وأولو الأحلام )) هم البالغون ، وقيل : أهل الحلم والفضل .



الـشـرح

قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ : باب توقير العلماء ، وأهل الفضل ، وتقديمهم على غيرهم ، ورفع مجالسهم ، وإظهار مرتبتهم ، يعني وما يتعلق بهذا من المعاني  الجليلة .

يريد المؤلف ـ رحمه الله ـ بالعلماء علماء الشريعة الذين هم ورثة النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن العلماء ورثة الأنبياء ؛ لأن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً ، فإن النبي صلى عليه وسلم توفي عن بنته فاطمة وعمه العباس ولم يرثوا شيئاً ؛ لأن الأنبياء لا يورثون إنما ورثوا العلم .

فالعلم شريعة الله فمن أخذ بالعلم ؛ أخذ بحظ وافر من ميراث العلماء .

وإذا كان الأنبياء لهم حق التبجيل والتعظيم والتكريم ، فلمن ورثهم نصيب من ذلك ، أن يبجل ويعظم ويكرم ، فلهذا عقد المؤلف رحمه الله لهذه المسألة العظيمة باباً ؛ لأنها مسألة عظيمة ومهمة .

وبتوقير العلماء توقر الشريعة ؛ لأنهم حاملوها ، وبإهانة العلماء تهان الشريعة ؛ لأن العلماء إذا ذلوا وسقطوا أمام أعين الناس ؛ ذلت الشريعة التي يحملونها ، ولم يبق لها قيمة عند الناس ، وصار كل إنسان يحتقرهم ويزدريهم فتضيع الشريعة .

كما أن ولاة الأمر من الأمراء والسلاطين يجب احترامهم وتوقيرهم تعظيمهم وطاعتهم ، حسب ما جاءت به الشريعة ؛ لأنهم إذا احتقروا أمام الناس ، وأذلوا ، وهون أمرهم ؛ ضاع الأمن وصارت البلاد فوضى ، ولم يكن للسلطان قوة ولا نفوذ .

فهذان الصنفان من الناس : العلماء والأمراء ، إذا احتقروا أمام أعين الناس فسدت الشريعة ، وفسدت الأمن ، وضاعت الأمور ، وصار كل إنسان يرى أنه هو العالم ، وكل إنسان يرى لأنه هو الأمير ، فضاعت الشريعة وضاعت البلاد ، ولهذا أمر الله تعالى بطاعة ولاة الأمور من العلماء والأمراء فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) [النساء: 59] .

ونضرب لكم مثلاً : إذا لم يعظم العلماء والأمراء ، فإن الناس إذا سمعوا من العالم شيئاً قالوا : هذا هين ، قال فلان خلاف ذلك .

أو قالوا : هذا هين هو يعرف ونحن نعرف ، كما سمعنا عن بعض السفهاء الجهال ، أنهم إذا جودلوا في مسألة من مسائل العلم ، وقيل لهم : هذا قول الإمام أحمد بن حنبل ، أو هذا قول الشافعي ، أو قول مالك ، أو قول أبي حنيفة ، أو قول سفيان ، أو ما أشبه ذلك قال : نعم ، هم رجال ونحن رجال ، لكن فرق بين رجولة هؤلاء ورجولة هؤلاء ، من أنت حتى تصادم بقولك وسوء فهمك وقصور علمك وتقصيرك في الاجتهاد وحتى تجعل نفسك نداً لهؤلاء الأئمة رحمهم الله ؟

فإذا استهان الناس بالعلماء كل واحد يقول : أنا العالم ، أنا النحرير ، أنا الفهامة ، أنا العلامة ، أنا البحر الذي لا ساحل له وصار كل يتكلم بما شاء ، ويفتي بما شاء ، ولتمزقت الشريعة بسبب هذا الذي يحصل من بعض السفهاء .

وكذلك الأمراء ، إذا قيل لواحد مثلاً : أمر الولي بكذا وكذا ، قال : لا طاعة له ؛ لأنه مخل بكذا ومخل بكذا ، وأقول : إنه إذا أخل بكذا وكذا ، فذنبه عليه ، وأنت مأمور بالسمع والطاعة ، حتى  وإن شربوا الخمور وغير ذلك ما لم نر كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان ، وإلا فطاعتهم واجبة ؛ ولو فسقوا ، ولو عتو ، ولو ظلموا .

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( اسمع وأطع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ))(185) .

وقال لأصحابه فيما إذا أخل الأمراء بواجبهم ، قال : (( اسمعوا وأطيعوا فإنما عليكم ما حملتم وعليهم ما حملوا )) (186) .

أما أن نريد أن تكون أمراؤنا كأبي بكر وعمر ، وعثمان وعلى ، فهذا لا يمكن ، لنكن نحن صحابة أو مثل الصحابة حتى يكون ولاتنا مثل خلفاء الصحابة .

أما والشعب كما نعلم الآن ؛ أكثرهم مفرط في الواجبات ، وكثير منتهك للحرمات ، ثم يريدون أن يولي الله عليهم خلفاء راشدين ، فهذا بعيد ، لكن نحن علينا أن نسمع ونطبع ، وإن كانوا هم أنفسهم مقصرين فتقصيرهم هذا عليهم . عليهم ما حملوا ، وعلينا ما حملنا .

فإذا لم يوقر العلماء ولم يوقر الأمراء ؛ ضاع الدين والدنيا . نسأل الله العافية .

ثم استدل المؤلف بقوله تعالى : ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) [الزمر: 9] ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي)  يعني لا يستوي الذين يعملون والذين لا يعملون ؛ لأن الجاهل متصف بصفة ذم ، والعالم متصف بصفة مدح ، ولهذا لو تعير أدنى واحد من العامة وتقول له : أنت جاهل ، غضب وأنكر ذلك ، مما يدل على أن الجهل عيب مذموم ، كلُ ينفر منه ، والعلم خير ، ولا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون في أي حال من الأحوال .

العالم يعبد الله على بصيرة ، يعرف كيف يتوضأ ، وكيف يصلي ، وكيف يزكي ، وكيف يصوم ، وكيف يحج ، وكيف يبر والديه ، وكيف يصل رحمه .

العالم يهدي الناس ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ) [الأنعام: 122] ، لا يمكن أن يكون هذا مثل هذا ، فالعالم نور يهتدي به ويرفع الله به ، والجاهل عالة على غيره ، لا ينفع نفسه ولا غيره ، بل إن أفتى بجهل ؛ ضر نفسه وضر غيره ، فلا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون .

ثم استدل المؤلف بحديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله )) يعني يكون إماماً فيهم أقرؤهم كاتب الله (( فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا بالسنة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً )) أي إسلاماً ، وفي لفظ سناً أي أكبرهم سناً .

وهذا يدل على أن صاحب العلم مقدم على غيره ؛ يقدم العلم بكتاب الله ، ثم العالم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يقدم من القوم في الأمور الدينية إلا خيرهم أفضلهم .

وهذا يدل على تقديم الأفضل فالأفضل في الإمامة ، وهذا في غير الإمام الراتب ، أما الإمام الراتب فهو الإمام وإن كان في الناس من هو أقرأ منه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث : (( ولا يؤمن الرجلُ الرجلَ في سلطانه )) وإمام المسجد الراتب سلطان في مسجده ، حتى إن بعض العلماء يقول : لو أن أحداً تقدم وصلى بجماعة المسجد بدون إذن الإمام فصلاتهم باطلة ، وعليهم أن يعيدوا ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن الإمامة ، والنهي يقتضي الفساد ، والله الموفق .



*          *           *



3/350 ـ وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لِيلِني مِنكم أولو الأحلام والنهي ، ثم الذين يلونهم )) ثلاثا ًً (( وإياكم وهيشاتِ الأسواق )) رواه مسلم (187) ،

4/351 ـ وعن أبي يحيى وقيل : أبي محمد سهل بن أبي حثمة ـ بفتح الحاء المهملة ، وإسكان التاء المثلثة الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ قال انطلق عبد الله ابن سهل ومحيصة بن مسعود إلى خيبر وهي يومئذ صلح ، فتفرقا ، فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دَمِهِ قتِيلاً ، فدفنه ، ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال : (( كبر كبر )) وهو أحدث القوم ، فسكت ، فتكلما فقال : (( أتحلفون وتستحقون قاتلكم ؟ )) وذكر تمام الحديث . متفق عليه (188) .

وقوله صلى الله عليه وسلم : (( كبر كبر )) معناه : يتكلم الأكبر .

5/352 وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد يعني في القبر ، ثم يقول : (( أيهما أكثر أخذاً للقرآن ؟ )) فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد . رواه البخاري  (189).

6/353 ـ وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( أراني في المنام أتسوك بسواك ، فجاءني رجلان ، أحدهما أكبر من الآخر ، فناولت السواك الأصغر ، فقيل لي : كبر ، فدفعته إلى الأكبر منهما )) رواه مسلم مسنداً ، والبخاري تعليقاً (190) .

7/354 ـ وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول صلى الله وعليه : (( إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم ، وحامل القرآن غير الغالي فيه ، والجافي عنه ، وإكرام ذي السلطان المقسط )) حديث حسن رواه أبو داود (191)  .



الـشـرح

هذه الأحاديث فيها الإشارة إلى ما سبق عن المؤلف ـ رحمه الله ـ من إكرام أهل العلم وأهل الفضل الكبير ، فمن ذلك حديث عبد الله ين مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ليلني منكم أولو الأحلام والنهي ، ثم الذين يلونهم )) قال ذلك ثلاثاً ، (( وإياكم وهيشات الأسواق )) وفي قوله : (( ليلني منكم )) اللام لام الأمر ، والمعنى أنه في الصلاة ينبغي أن يتقدم أولو الأحلام والنهي .

وأولو الأحلام : يعني الذين بلغوا الحلم وهم البالغون ، والنهي جمع نهية وهي العقل ، يعني العقلاء فالذي ينبغي أن يتقدم في الصلاة العاقلون البالغون ؛ لأن ذلك أقرب إلى فهم ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم أو ما يفعله ، من الصغار ونحوهم ، فلهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم أن يتقدم هؤلاء حتى يلوا الإمام .

وليس معنى الحديث لا يلني إلا أولو الأحلام والنهي ، بحيث نطرد الصبيان عن الصف الأول ، فإن هذا لا يجوز . فلا يجوز طرد الصبيان عن الصف الأول إلا أن يحدث منهم أذية ، فإن لم يحدث منهم أذية ؛ فإن من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد أحق به .

وهناك فرق بين أن تكون العبارة النبوية : لا يلني إلا أولو الأحلام ، وبين قوله : ليلني أولو الأحلام ، فالثانية تحث الكبار العقلاء على التقدم ، والأولى لو قدر أنها هي نص الحديث لكان بنهى أن يلي الإمام من ليس بالغاً ، أو ليس عاقلاً .

وعلى هذا فنقول : إن أولئك الذين يطردون الصبيان عن الصف الأول أخطئوا من جهة أنهم منعوا ذوي الحقوق حقوقهم ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له )) (192) .

ومن جهة أخرى أنهم يكرهون الصبيان المساجد ، وهذا يؤدي إلى أن ينفر الصبي عن المسجد إذا كان يطرد عنه.

ومنها أن هذه لا تزال عقدة في نفسه من الذي طرده فتجده يكرهه ، ويكره ذكره ، فمن أجل هذه المفاسد نقول : لا تطردوا الصبيان من أوائل الصفوف .

ثم إننا إذا طردناهم من أوائل الصفوف ؛ حصل منهم لعب ، لو كانوا كلهم في صف واحد كما يقوله من يقوله من أهل العلم ، لحصل منهم من اللعب ما يوجب اضطراب المسجد ، واضطراب أهل المسجد ، ولكن إذا كانوا مع الناس في الصف الأول ومتفرقين ؛ فإن ذلك أسلم من الفوضى التي تحصل بكونهم يجتمعون في صف واحد .

وقوله صلى الله عليه وسلم : (( ليلني منكم أولو الأحلام والنهي )) يستفاد منه أن الدنو من الإمام له شأن مطلوب ، ولهذا قال : ليلني أي يكون هو الذي يليني .

وعلى هذا نقول : إذا كان يمين الصف بعيداً ، وأيسر الصف أقرب منه بشكل واضح ، فإن الصف الأيسر أفضل من الأيمن ، من أجل دنوه من الإمام ؛ ولأنه لما كان الناس في أول الأمر إذا كان إمامهم واثنان معه ، فإنهما يكونان عن يمينه واحد ، وعن شماله واحد ، ولا يكون كلاهما عن اليمين ، فدل هذا على مراعاة الدنو من الإمام ، وتوسط الإمام من المأمومين .

ولكن هذا الأمر أي كون الإمام واثنان معه يكونان في صف واحد ، هذا نسخ ، وصار الإمام إذا كان معه اثنان يصفان خلفه ، ولكن كونه ـ حين كان مشروعاً ـ يجعل أحدهما عن اليمين والثاني عن اليسار ؛ يدل على أنه ليس الأيمن أفضل مطلقاً ، بل أفضل من الأيسر إذا كان مقارباً أو مثله ، أما إذا تميز بميزة بيّنة ؛ فاليسار مع الدنو من الإمام أفضل .

وفي حديث الرؤيا التي رآها الرسول صلى الله عليه وسلم ، أنه كان صلى الله عليه وسلم أنه كان صلى الله عليه وسلم يتسوك بسواك فجاءه رجلان فأراد أن يعطيه الأصغر ، فقيل له : كبّر كبّر . فيه دليل أيضاً على اعتبار الكبر ، وأنه يقدم الأكبر في إعطاء الشيء .

ومن ذلك إذا قدمت الطعام مثلاً أو القهوة أو الشاي فلا تبدأ باليمين ، بل ابدأ بالأكبر الذي أمامك ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يعطيه الأصغر قيل له كبّر ، ومعلوم أنه لو كان الأصغر هو الأيسر لا يذهب الرسول صلى الله عليه وسلم يعطيه إياه فالظاهر أنه أعطى الأيمن من أجل التيامن ، لكن قيل له كبّر : يعني أعطه الأكبر ، فهذا إذا كان الناس أمامك تبدأ بالكبير ، لا تبدأ باليمين ، أما إذا كانوا جالسين عن اليمين وعن الشمال فابدأ باليمين .

وبهذا يجمع بين الأدلة الدالة على اعتبار التكبير أي مراعاة الكبير ، وعلى اعتبار الأيمن ، أي مراعاة الأيمن ، فنقول : إذا كانت القصة كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان معه إناء يشرب منه ، وعلى يساره الأشياخ وعلى يمينه غلام وهو ابن عباس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للغلام ((أتأذن لي أن أعطي هؤلاء)) فقال الغلام : لا والله ، لا أوثر بنصيبي منك أحداً . فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم (193) . فإذا كان هكذا فأعطه من على يمينك ، أما الذين أمامك فابدأ بالكبير، كما تدل عليه السنة ، وهذا هو وجه الجمع بينهما .

ثم إن الإنسان إذا أعطاه الكبير فمن يعطي بعده ؟ هل يعطي الذي على يمين الكبير ويكون عن يسار الصاب ، أم الذي عن يمين الصاب ؟

نقول : يبدأ بالذي عن يمين الصاب وإن كان على يسار الكبير ؛ لأننا إذا اعتبرنا التيامن بعد مراعاة الكبر ، فالذي على يمينك هو الذي عن يسار مقابلك فتبدأ به ، ما لم يسمح بعضهم لبعض ، ويقول : أعطه فلاناً .. أعطه فلاناً ؛ فالحق لهم ، ولهم أن يسقطوه ، والله أعلم .



----------------------



(183) رواه مسلم ، كتاب المساجد ، باب من أحق بالإمامة ، رقم ( 673 ) .

(184) رواه مسلم ، كتاب الصلاة ، باب تسوية الصفوف . . . ، رقم ( 432 ) [ 122 ] .

(185) رواه مسلم ، كتاب الإمارة ، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين . . ، رقم ( 1847 ) [ 52 ] .

(186) رواه مسلم ، كتاب الإمارة ، باب في طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق ، رقم ( 1846 ) .

(187) رواه مسلم ، كتاب الصلاة , باب تسوية الصفوف . . ، رقم ( 432 ) [ 123 ] .

(188) رواه البخاري ، كتاب الجزية والموادعة ، باب الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال ، رقم ( 3173 ) ، ومسلم ، كتاب القسامة ، باب القسامة ، رقم           ( 1669)

(189) رواه البخاري ، كتاب الجنائز ،باب الصلاة على الشهيد ، رقم ( 1343 ) .

(190) رواه البخاري ، كتاب الوضوء ، باب السواك ، رقم (246 ) ، ومسلم ، كتاب الرؤيا ، باب رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم ، رقم ( 2271 ) .

(191) رواه أبو داود ، كتاب الأدب في تنزيل الناس منازلهم ، رقم ( 4843 ) .

(192) رواه أبو داود ، كتاب الخراج والإمارة ، باب في إقطاع الأرضين ، رقم ( 3071 ) .

(193) رواه البخاري ، كتاب المساقاة ، باب من رأى صدقة وهبته ووصيته جائزة . . . ،  رقم ( 2351 ) ، ومسلم ، كتاب الأشربة ، باب استحباب إدارة الماء واللبن ونحوهما . . ، رقم ( 3030 ) .

الجمعة، 16 سبتمبر 2011

نصيحة مخلصة للشباب المسلم

نصيحة مخلصة للشباب المسلم


قال الشيخ ربيع :

((وإنني أوجه نصيحة مخلصة للشباب المسلم :

1- أن يكون من أول مزاياه : حب الحق والإلحاح في البحث عنه ونصرته .

2- وأن يهدأ ويستريح من العيش في دوامة العواطف العمياء والتعصب المقيت لهذا الشخص أو ذاك؛ فإن هذا الأسلوب يدخله في عِدادِ من قال الله فيهم :

(وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُون ). ))

من كتاب أهل الحديث هم الطائفة المنصورة


نصيحة بالاهتمام بكتب السلف وسبب الرد على أهل البدع

قال الشيخ ربيع :

((وإني لأنصح الشباب الذين يريدون وجه الله والدار الآخرة؛ أن يقرؤا هـذا الكتاب : "الفـرق بـين النصيحة والتعيير"، وما شابهه من كلام السلف ـ رضوان الله عليهم ـ ، ولا سيما كتابات ابن تيمية، وابن القيم، وقراءة جهادهم ونضالهم لنصرة السنة والحق، ودحض الباطل والبدع والترهات، التي يدعو إليها أهل البدع ومن تولاهم، سواء في مؤلفات، أو في مقالات، أو محاضرات؛ فإن بلاءهم قد عَمَّ وطَمَّ .

نسأل الله أن يفك أسر المأسورين، والمكبلين بأغلال وقيود أهل الكيد من أهل البدع .

والله يعلم أننا لا نرد على أهل البدع إلا لإنقاذ المخدوعين والمغرورين بأهل البدع والباطل؛ فنُقَابَل منهم إما بالنفور والإعراض عما نكتب، أو بالاتهام الباطل، وإشاعة هذا الاتهام في صفوف الشباب؛ لصدهم عن إدراك الحق، حتى يعيشوا في عماية تامة عن معرفة واقعهم المرير، الذي ساقهم إليه أهل الأهواء .))

من كتاب المحجة البيضاء


نصيحة في الحذر من مكائد أهل البدع واخذ العلم عن الأكابر

قال الشيخ ربيع :

((وأنصح الشباب السلفي في العالم الذين يخدعون بعدنان وأمثاله من الحزبيين والمبتدعين أن يكونوا على غاية الحذر من تلبيس هؤلاء وفتنتهم وشرورهم ولا سيما عدنان الذي يلبس اللباس السلفي زوراً ، ويحارب أهله ودعاته حرباً لا يُعرف مثلها من أشد أهل البدع ، أحذرهم من هذا الرجل أشد التحذير وأنفرهم والله حباً لهم وأريد أن يسيروا في طريق السلف ، وهم والله في غنيةٍ عنه لأنه لا يأتيهم إلا بالقواعد الباطلة والهراء والكلام الفاسد ، فأحذرهم منه ومن ألاعيبه وأكاذيبه وتلبيساته ، وأن يعتبروا أن الإسلام لا يؤخذ من أمثال هؤلاء .

وقد قال علماء السلف كابن المبارك وأمثاله :

" إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم " .

فلا يؤخذ الدين من الملبسين الأدعياء ، ولا من الواضحين في الضلال ، ولا من غيرهم ، وإنما يأخذون العلم من أهل العلم الثقات العدول الموالين في الله والمعادين فيه والمنابذين للباطل والداعين إلى الحق وإلى الهدى المستقيم ، عليهم أن يختاروا ويتثبتوا ولا يتسرعوا فيسمعوا أو يقرؤوا لكل من هب ودب ؛ لأن كثيراً منهم في مرحلة البداية لا يميزون بين حقٍ وباطل فيقرؤون لأمثال من ذكرت فيخرجونه عن منهج الله إلى مناهجهم الفاسدة ، فليحذروا تلك المقولة المضللة :

" نقرأ في الكتب ونسمع من الأشخاص وما كان من حقٍ أخذناه ، وما كان من باطلٍ رددناه " )).

من كتاب دفعي بغي عدنان




نصيحة بطلب العلم النافع والحذر من أهل البدع ومكرهم

قال الشيخ ربيع:

((فأنصح الشباب السلفي :

أولاً: أن يطلبوا العلم وأن يجالسوا أهل الخير وأن يحذروا أهل الشر، فإن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ضرب مثلاً للجليس السوء وآثاره السيئة، والجليس الخير وآثاره الطيبة، فقال: (( مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، - يعني أنت رابح و مستفيد منه على كل حال من الأحوال، لا تجد منه إلا الخير، كالنخلة كلها خير، وكلها نفع كما هو مثل المؤمن - والجليس السوء كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن لا تسلم من دخانه )) [18] فالأذى لابد لاحق بك، والشر لا بد أن يلحق بك، جسيماً أو خفيفاً، فإذا كان لابد من الضرر من مجالسة أصحاب السوء، فلماذا تحرص على مجالستهم ومخالطتهم ما دليلك على الجواز، الرسول r حَذَّر ، الرسول r أنذر، الرسول r بَيَّن الخطر فما هو عذرك ، و أئمة الإسلام حَذروا وأنذروا ، ونفذوا توجيهات الرسول عليه الصلاة والسلام ، وتوجيهات القرآن الكريم والسنة، فبأيِّ دليل تخالف منهج أهل السنة والجماعة، وتتحدى إخوانك الذين يحبون لك الخير، ويخافون عليك من الوقوع في الشر.
فأنا أنصح الشبابٍ السلفي أينما كانوا، وأينما نزلوا، أن يدرسوا منهج السلف، وأن يعرفوا قدْر أهل السنة والجماعة، وأن يدركوا فيهم أنهم أهل النصح، وأهل الخبرة، وما يقولونه –والله - يتحقق فيمن يأخذ بقولهم أو يخالفهم، فمن خالفهم؛ فالغالب عليه الوقوع في الباطل، والوقوع في الشر، ومن استفاد منهم سَلِمَ ونجى،والسلامة والنجاة لا يعدلها شيء.

وإذا كان كبار السلف من أمثال أيوب السختياني ، وابن سيرين، ومجاهد، وغيرهم، لا يطيقون أن يسمعوا كلمة أو نصف كلمة من أهل الباطل، ولا يسمحون لك أن تناظر أهل البدع؛ لأن المناظرة تجرك إلى الوقوع في الفتنة، فهم أهل خبرة، وأهل ذكاء، وأهل نصح، فأوصي الشباب أن يستفيدوا:

أولاً: من كتاب الله .

ثانياً: من سنة رسول الله r .

ثالثاً: من توجيهات ومواقف السلف الصالح ، بدأً بالصحابة، وعلى رأسهم عمر، الخليفة الراشد، وعلي بن أبي طالب، رضوان الله عليهم ، وعبد الله ابن عباس، وجابر بن عبد الله، و عبد الله بن عمر، رضوان الله عليهم جميعاً...

الشاهد أنَّا كما ذكرنا غير مرة أن الله حذرنا من أهل البدع، وبين أن مقاصدهم سيئة، والرسول r أكَّدَ ذلك وحذر منهم، حذر منهم عليه الصلاة والسلام، فَهِمَ السلف من هذه النصوص ومن غيرها الكثير والكثير، فهموا منها المواقف السليمة والصحيحة من أهل البدع والضلال، ودَوَّنوا ذلك في كتبهم، وقالوا إن المبتدع لا غيبة له، وأنه يجب التحذير منه، وأن محاربة أهل البدع جهاد، وهو أفضل من الضرب بالسيوف لماذا ؟ لأن هذا يفسد الدين مباشرة، هذا يفسد الدين، الفاسد يفسد الدين، الفاسق معترف بأنه منحرف، وأنه مخالف للدين، ويُحدِّث نفسه بالتوبة، أما هذا لا، هذا يُفسد الدين، ويفسد الناس، لهذا نرى أن الله تبارك وتعالى حارب أحبار اليهود ورهبانهم وعلماء السوء منهم أشدَّ من محاربته للحكام والطغاة الجبابرة لماذا ؟ لأن أولئك ضلالهم وفسادهم معروف وواضح للناس، لكن هؤلاء يلبسون الحق بالباطل، كما قال تبارك وتعالى{لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون ] ، وهذا حال أهل البدع عندهم شيء من الحق أو شيء من الضلالة يلبسونه بشيء من الحق حتى يروج، طرق ماكرة، فالله سبحانه وتعالى أعلم بعباده، تراه كم صب من اللوم والذم والتحذير والطعن لليهود وعلمائهم وللنصارى لماذا ؟ لأنهم أفسدوا دين الله، وهذا شأن أهل البدع ولهم حظ من هذا الذم الذي يوجهه الله تبارك وتعالى إلى اليهود والنصارى، والدليل قول الرسول r (( لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)) فقد وقع أهل البدع في هذا الشر، وتابعوا اليهود في التأويل وفي التحريف وفي الكذب وفي نشر الباطل والدعاية في الباطل، شاركوهم في كل هذه الأشياء، فالشبه قوية جداً بينهم وبين هؤلاء، وقد أخبر الرسول r أن هؤلاء سيتابعونهم.

فنحن عل كل حال بعد هذا كله ننصح الشباب السلفي أن يُقبلوا على طلب العلم، وأن يحرصوا على معاشرة الصالحين، وأن يحذروا كل الحذر من مخالطة أهل البدع وأهل الشبه والفتن، وهذه النصيحة أرجو أن تلقى آذاناً صاغية من إخواننا طلاب الحق وأهل الحق، ونسأل الله أن ينفعنا وإياهم، وأن يجعلنا وإياهم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يجعلنا من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم الذين يُؤثِرون طاعته واتباعه على كل أمر من أمور الحياة هذه، إن ربنا سميع الدعاء . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم )).

من تفريغ شريط الموقف الصحيح من أهل البدع


دعوة جادة لإعادة النظر في المناهج الجامعية والدراسية لكل من كان مخالفاً للعقيدة السلفية

قال الشيخ ربيع :

((دعوة جادة، وإني لأوجه بهذه المناسبة دعوة جادة إلى القائمين على هذه المدارس في هذا العصر الذي تعاني فيه الأمة الويلات والذل نتيجة مخالفتهم لكتاب الله وسنة رسوله وسنة الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين أوجه الدعوة إلى هذه المدارس لتعيد النظر بجدٍّ في مناهجها وإلى السعي في إصلاحها إصلاحاً جذرياً وشاملاً بما يتفق مع الكتاب والسنة وفقه السلف الصالح لهما عقائدياً ومنهجياً وعبادات ومعاملات ومن هذا الإصلاح سد باب أن أخبار الآحاد تفيد الظن، إن هذا الإصلاح ليسير على من يسره الله عليه واطلع الله منه على نية صادقة وعزم ماض.

ومن نظر نظرة صادقة متجردة إلى تفسير السلف الصالح للقرآن الكريم، مثل: تفسير ابن جرير والبغوي وما جرى مجراهما من تفاسير السلف، وتأمل نصوص الأمهات الست في أبواب الإيمان والتوحيد والسنة وفي مؤلفات أبي الحسن الأشعري الأخيرة كالإبانة والمقالات والموجز وقرأ ما قرره ابن عبدالبر وابن أبي زيد وأمثالهما تبين له بكل وضوح العقائد التي قررها الله في كتابه ورضيها وقررها رسوله في سنته ودان بها الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان، وتبين له بوضوح بطلان كل المذاهب التي تخالف مقررات الكتاب والسنة وما دان به السلف الصالح من القرون الخيرة.

] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [ (لأنفال:24).

واعلموا يا من بأيديهم أزمة أمور الأمة أنكم مسئولون أمام الله عن بقائها على ما هي عليه الآن من جهل بحقائق القرآن والسنة ومخالفات لها ذلكم الجهل الخطير والمخالفات المهلكة في الدنيا والآخرة)).

من كتاب حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام

المصدر/موقع الشيخ ربيع المدخلي


http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=120680

حكم الدعوة إلى الله بالأناشيد


سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن ‏[‏جماعة‏]‏ يجتمعون على قصد الكبائر من القتل، وقطع الطريق، والسرقة، وشرب الخمر، وغير ذلك‏.‏ ثم إن شيخًا من المشائخ المعروفين بالخير واتباع السنة قصد منع المذكورين من ذلك، فلم يمكنه إلا أن يقيم لهم سماعا يجتمعون فيه بهذه النية، وهو بدف بلا صلاصل، وغناء المغني بشعر مباح بغير شبابة، فلما فعل هذا تاب منهم جماعة، وأصبح من لا يصلي ويسرق ولا يزكي يتورع عن الشبهات، ويؤدي المفروضات، ويجتنب المحرمات‏.‏ فهل يباح فعل هذا السماع لهذا الشيخ على هذا الوجه، لما يترتب عليه من المصالح، مع أنه لا يمكنه دعوتهم إلا بهذا‏؟‏  فأجاب‏:‏
 الحمد لله رب العالمين‏.‏
 أصل جواب هذه المسألة وما أشبهه‏:‏ أن يعلم أن الله بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهدى، ودين الحق، ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدا‏.‏ وأنه أكمل له ولأمته الدين‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏3‏]‏ ‏.‏ وأنه بشر بالسعادة لمن أطاعه، والشقاوة لمن عصاه، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا‏}‏‏[‏النساء‏:‏69‏]‏، وقال تعالى‏:‏‏{‏وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا‏}‏ ‏[‏الجن ‏:‏23‏]‏‏.‏
 وأمر الخلق أن يردوا ما تنازعوا فيه من دينهم إلى ما بعثه به، كما قال تعالى ‏:‏‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏59‏]‏، وأخبر أنه يدعو إلى الله وإلى صراطه المستقيم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏108‏]‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ‏}‏‏[‏الشورى‏:‏52، 53‏]‏ ‏.‏
 وأخبر أنه يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويحل الطيبات، ويحرم الخبائث ‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 156، 157‏]‏ ‏.‏
 وقد أمر الله الرسول صلى الله عليه وسلم بكل معروف ونهى عن كل منكر‏.‏ وأحل كل طيب، وحرم كل خبيث‏.‏ وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال‏:‏ ‏(‏ما بعث الله نبيا إلا كان حقًا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم‏)‏، وثبت عن العرباض بن سارية قال‏:‏ وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون‏.‏ قال‏:‏ فقلنا‏:‏ يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏أوصيكم بالسمع والطاعة، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا ‏.‏ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور‏.‏ فإن كل بدعة ضلالة‏)‏‏.‏ وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏ما تركت من شىء يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم به‏)‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏(‏تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك‏)‏‏.‏
 وشواهد هذا ‏[‏الأصل العظيم الجامع‏]‏ من الكتاب والسنة كثيرة وترجم عليه أهل العلم في الكتب‏.‏ ‏[‏كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة‏]‏ كما ترجم عليه البخارى والبغوي وغيرهما، فمن اعتصم بالكتاب والسنة كان من أولياء الله المتقين، وحزبه المفلحين، وجنده الغالبين‏.‏ وكان السلف ـ كمالك وغيره ـ يقولون‏:‏ السنة كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، وقال الزهري‏:‏ كان من مضى من علمائنا يقولون‏:‏ الاعتصام بالسنة نجاة‏.‏
 إذا عرف هذا فمعلوم أن ما يهدي الله به الضالين ويرشد به الغاوين ويتوب به على العاصين، لابد أن يكون فيما بعث الله به رسوله من الكتاب والسنة، وإلا فإنه لو كان ما بعث الله به الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكفي في ذلك، لكان دين الرسول ناقصًا، محتاجًا تتمة‏.‏ وينبغي أن يعلم أن الأعمال الصالحة أمر الله بها أمر إيجاب أو استحباب، والأعمال الفاسدة نهى الله عنها‏.‏
 والعمل إذا اشتمل على مصلحة ومفسدة، فإن الشارع حكيم‏.‏ فإن غلبت مصلحته على مفسدته شرعه، وإن غلبت مفسدته على مصلحته لم يشرعه، بل نهى عنه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏ البقرة‏:‏ 216‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏219‏]‏، ولهذا حرمها الله تعالى بعد ذلك‏.‏
 وهكذا ما يراه الناس من الأعمال مقربًا إلى الله، ولم يشرعه الله ورسوله، فإنه لابد أن يكون ضرره أعظم من نفعه، و إلا فلو كان نفعه أعظم غالبًا على ضرره لم يهمله الشارع، فإنه صلى الله عليه وسلم حكيم، لا يهمل مصالح الدين، ولا يفوت المؤمنين ما يقربهم إلى رب العالمين‏.‏

إذا تبين هذا فنقول للسائل‏:‏ إن الشيخ المذكور قصد أن يتوب المجتمعون على الكبائر‏.‏ فلم يمكنه ذلك إلا بما ذكره من الطريق البدعي، يدل أن الشيخ جاهل بالطرق الشرعية التي بها تتوب العصاة، أو عاجز عنها، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين كانوا يدعون من هو شر من هؤلاء من أهل الكفر والفسوق والعصيان بالطرق الشرعية، التي أغناهم الله بها عن الطرق البدعية‏.‏

فلا يجوز أن يقال‏:‏ إنه ليس في الطرق الشرعية التي بعث الله بها نبيه ما يتوب به العصاة، فإنه قد علم بالاضطرار والنقل المتواتر أنه قد تاب من الكفر والفسوق والعصيان من لا يحصيه إلا الله تعالى من الأمم بالطرق الشرعية، التي ليس فيها ما ذكر من الاجتماع البدعي؛ بل السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ـ وهم خير أولياء الله المتقين، من هذه الأمة ـ تابوا إلى الله تعالى بالطرق الشرعية، لا بهذه الطرق البدعية ‏.‏ وأمصار المسلمين وقراهم قديمًا وحديثًا مملوءة ممن تاب إلى الله واتقاه، وفعل ما يحبه الله ويرضاه بالطرق الشرعية، لا بهذه الطرق البدعية‏.‏
 فلا يمكن أن يقال‏:‏ إن العصاة لا تمكن توبتهم إلا بهذه الطرق البدعية، بل قد يقال‏:‏ إن في الشيوخ من يكون جاهلا بالطرق الشرعية، عاجزًا عنها، ليس عنده علم بالكتاب والسنة، وما يخاطب به الناس، ويسمعهم إياه، مما يتوب الله عليهم، فيعدل هذا الشيخ عن الطرق الشرعية إلى الطرق البدعية، إما مع حسن القصد، إن كان له دين، وإما أن يكون غرضه الترأس عليهم، وأخذ أموالهم بالباطل، كما قال تعالى ‏:‏‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏34‏]‏، فلا يعدل أحد عن الطرق الشرعية إلى البدعية إلا لجهل، أو عجز، أو غرض فاسد‏.‏وإلا فمن المعلوم أن سماع القرآن هو سماع النبيين، والعارفين، والمؤمنين ‏.‏ قال تعالى في النبيين ‏:‏‏{‏أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏58‏]‏‏.‏
 وقال تعالى في أهل المعرفة‏:‏ ‏{‏وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏83‏]‏‏.‏ وقال تعالى في حق أهل العلم‏:‏‏{‏إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا‏}‏‏[‏الإسراء‏:‏ 107‏:‏ 109‏]‏ ‏.‏
 وقال في المؤمنين‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏2-4‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ‏}‏‏[‏الزمر‏:‏23‏]‏ ‏.‏
 وبهذا السماع هدى الله العباد، وأصلح لهم أمر المعاش والمعاد، وبه بعث الرسول صلى الله عليه وسلم، وبه أمر المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، وعليه كان يجتمع السلف، كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ اجتمعوا أمروا رجلا منهم أن يقرأ وهم يستمعون، وكان عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يقول لأبي موسى‏:‏ ذكرنا ربنا، فيقرأ أبو موسى وهم يستمعون ‏.‏ وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر بأبي موسى الأشعري وهو يقرأ، فجعل يستمع لقراءته‏.‏ وقال‏:‏ ‏(‏لقد أوتي هذا مزمارًا من مزامير آل داود‏)‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏(‏مررت بك البارحة وأنت تقرأ فجعلت أستمع لقراءتك‏)‏، فقال‏:‏لو علمت أنك تسمعني لحبرته لك تحبيرًا‏.‏ أي‏:‏ لحسنته لك تحسينًا‏.‏
 وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال لابن مسعود ‏:‏‏(‏اقرأ علي القرآن‏)‏، فقال‏:‏أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل‏؟‏‏!‏ فقال‏:‏ ‏(‏إني أحب أن أسمعه من غيري‏)‏‏.‏قال‏:‏ فقرأت عليه سورة النساء حتى وصلت إلى هذه الآية‏:‏ ‏{‏فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏41‏]‏، قال لي‏:‏ ‏(‏حسبك‏)‏، فنظرت إليه فإذا عيناه تذرفان من البكاء‏.‏ وعلى هذا السماع كان يجتمع القرون الذين أثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال‏:‏‏(‏خير القرون الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم‏)‏‏.‏
 ولم يكن في السلف الأول سماع يجتمع عليه أهل الخير إلا هذا ‏.‏ لا بالحجاز، ولا باليمن، ولا بالشام، ولا بمصر، والعراق، وخراسان، والمغرب‏.‏ وإنما حدث السماع المبتدع بعد ذلك، وقد مدح الله أهل هذا السماع، المقبلين عليه، وذم المعرضين عنه، وأخبر أنه سبب الرحمة، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏204‏]‏ وقال تعالى‏:‏‏{‏وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} ‏[‏الفرقان‏:‏73‏]‏، وقال تعالى‏:‏‏{‏أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏16‏]‏، وقال تعالى ‏:‏‏{‏وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ‏}‏ ‏[‏ الأنفال‏:‏23‏]‏، وقال تعالى‏:‏‏{‏فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ‏}‏ ‏[‏المدثر‏:‏49‏:‏ 51‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ‏}‏‏[‏الكهف‏:‏57‏]‏ ، وقال تعالى‏:‏‏{‏فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى‏}‏‏[‏طه‏:‏123‏:‏ 126‏]‏، ومثل هذا في القرآن كثير يأمر الناس باتباع ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة، ويأمرهم بسماع ذلك‏.‏
 وقد شرع الله تعالى السماع للمسلمين في المغرب، والعشاء، والفجر ‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا‏}‏‏[‏الإسراء‏:‏78‏]‏، وبهذا مدح عبد الله بن رواحة النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال‏:‏
 وفينا رسول الله يتلو كتابه ** إذا انشق معروف من الفجر ساطع‏.‏
 يبيت يجافي جنبه عن فراشه ** إذ استثقلت بالكافرين المضاجع‏.‏
 أتى بالهدى بعد العمى فقلوبنا ** به موقنات إنما قال واقـــع‏.‏

وأحوال أهل هذا السماع مذكورة في كتاب الله، من وجل القلوب، ودمع العيون، واقشعرار الجلود، وإنما حدث سماع الأبيات بعد هذه القرون، فأنكره الأئمة، حتى قال‏:‏ الشافعي ـ رحمه الله ـ خلفت ببغداد شيئًا أحدثته الزنادقة، يسمونه التغبير، يزعمون أنه يرقق القلوب، يصدون به الناس عن القرآن، وسئل الإمام أحمد عنه فقال‏:‏ محدث، فقيل له‏:‏ أنجلس معهم فيه‏؟‏ فقال‏:‏ لا يجلس معهم‏.‏
 والتغبير هو الضرب بالقضيب على جلودهم، من أمثل أنواع السماع‏.‏ وقد كرهه الأئمة فكيف بغيره، والأئمة المشائخ الكبار لم يحضروا هذا السماع المحدث، مثل الفضيل ابن عياض، وإبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، والسري السقطي ‏[‏هو سريّ بن مغلس السقطي، أبو الحسن، من كبار المتصوفة، بغدادي المولد والوفاة، قال الجنيد‏:‏ ما رأيت أعبد من السري السقطي، أتت عليه ثمان وتسعون سنة ما رؤى مضطجعًا إلا في علة الموت، من كلامه‏:‏ من عجز عن أدب نفسه كان عن أدب غيره أعجز‏.‏توفى سنة867م‏.‏ ‏[‏الوفيات 2357، والأعلام382‏]‏، وأمثالهم‏.‏ ولا أكابر الشيوخ المتأخرين‏:‏ مثل الشيخ عبد القادر، والشيخ عدي، والشيخ أبي مدين، والشيخ أبي البيان، والشيخ أبي القاسم الحوفي، والشيخ علي ابن وهب، والشيخ حياة ‏[‏هو حياة بن الوليد اليحصبي، أحد الأشراف الشجعان ‏.‏ كان في أيام استيلاء عبد الرحمن الأموي على الأندلس، وامتنع مع أمير طليطلة، فوجه إليهما عبد الرحمن جيشًا فأسر حياة، وصلب بقرطبة، مات سنة 764م‏.‏‏[‏ الأعلام‏:‏ 2289‏]‏، وأمثالهم‏.‏ وطائفة من الشيوخ حضروه ثم رجعوا عنه‏.‏ وسئل الجنيد عنه فقال‏:‏ من تكلف السماع فتن به، ومن صادفه السماع استراح به‏.‏ فبين الجنيد أن قاصد هذا السماع صار مفتوتًا، وأما من سمع ما يناسبه بغير قصد فلا بأس‏.‏
 فإن النهي إنما يتوجه إلى الاستماع، دون السماع، ولهذا لو مر الرجل بقوم يتكلمون بكلام محرم لم يجب عليه سد أذنيه، لكن ليس له أن يستمع من غير حاجة، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم ابـن عمر بسد أذنيه لما سمع زمــارة الراعـي، لأنه لم يكن مستمعًا بل سامعًا‏.‏
 وقول السائل وغيره‏:‏ هل هو حلال ‏؟‏ أو حرام‏؟‏ لفظ مجمل به تلبيس، يشتبه الحكم فيه، حتى لا يحسن كثير من المفتين تحرير الجواب فيه، وذلك أن الكلام في السماع وغيره من الأفعال على ضربين‏:‏
 أحدهما‏:‏ أنه هل هو محرم‏؟‏ أو غير محرم‏؟‏ بل يفعل كما يفعل سائر الأفعال التي تلتذ بها النفوس، وإن كان فيها نوع من اللهو واللعب كسماع الأعراس، وغيرها‏.‏ مما يفعله الناس لقصد اللذة واللهو، لا لقصد العبادة والتقرب إلى الله ‏.‏
 والنوع الثاني‏:‏ أن يفعل على وجه الديانة، والعبادة، وصلاح القلوب ، وتجريد حب العباد لربهم، وتزكية نفوسهم، وتطهير قلوبهم وأن تحرك من القلوب الخشية، والإنابة، والحب، ورقة القلوب، وغير ذلك مما هو من جنس العبادات، والطاعات، لا من جنس اللعب والملهيات‏.‏
 فيجب الفرق بين سماع المتقربين، وسماع المتلعبين، وبين السماع الذي يفعله الناس في الأعراس، والأفراح، ونحو ذلك من العادات، وبين السماع الذي يفعل لصلاح القلوب، والتقرب إلى رب السموات، فإن هذا يسأل عنه‏:‏ هل هو قربة وطاعة‏؟‏ وهل هو طريق إلى الله ‏؟‏ وهل لهم بد من أن يفعلوه لما فيه من رقة قلوبهم، وتحريك وجدهم لمحبوبهم، وتزكية نفوسهم، وإزالة القسوة عن قلوبهم، ونحو ذلك من المقاصد التي تقصد بالسماع ‏؟‏ كما أن النصارى يفعلون مثل هذا السماع في كنائسهم على وجه العبادة والطاعة، لا على وجه اللهو واللعب‏.‏
 إذا عرف هذا فحقيقة السؤال‏:‏ هل يباح للشيخ أن يجعل هذه الأمور التي هي‏:‏ إما محرمة، أو مكروهة، أو مباحة، قربة وعبادة وطاعة، وطريقة إلى الله يدعو بها إلى الله، ويتوب العاصين، ويرشد به الغاوين، ويهدي به الضالين‏؟‏
 ومن المعلوم أن الدين له ‏[‏أصلان‏]‏ فلا دين إلا ما شرع الله، ولا حرام إلا ما حرمه الله‏.‏ والله تعالى عاب على المشركين أنهم حرموا مالم يحرمه الله، وشرعوا دينًا لم يأذن به الله‏.‏
 ولو سئل العالم عمن يعدو بين جبلين‏:‏ هل يباح له ذلك‏؟‏ قال‏:‏ نعم، فإذا قيل‏:‏ إنه على وجه العبادة كما يسعى بين الصفا والمروة، قال‏:‏ إن فعله على هذا الوجه حرام منكر، يستتاب فاعله، فإن تاب وإلا قتل‏.‏
 ولو سئل عن كشف الرأس، ولبس الإزار، والرداء‏:‏ أفتى بأن هذا جائز، فإذا قيل‏:‏ إنه يفعله على وجه الإحرام، كما يحرم الحاج‏.‏ قال‏:‏ إن هذا حرام منكر‏.‏
 ولو سئل عمن يقوم في الشمس‏.‏ قال‏:‏ هذا جائز ‏.‏ فإذا قيل‏:‏ إنه يفعله على وجه العبادة‏.‏ قال‏:‏ هذا منكر ‏.‏ كما روى البخاري عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قائمًا في الشمس‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏من هذا‏)‏‏؟‏ قالوا‏:‏ هذا أبو إسرائيل يريد أن يقوم في الشمس، ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مروه فليتكلم، وليجلس، وليستظل وليتم صومه‏)‏ فهذا لو فعله لراحة، أو غرض مباح لم ينه عنه، لكن لما فعله على وجه العبادة نهى عنه‏.‏
 وكذلك لو دخل الرجل إلى بيته من خلف البيت، لم يحرم عليه ذلك، ولكن إذا فعل ذلك على أنه عبادة، كما كانوا يفعلون في الجاهلية‏:‏ كان أحدهم إذا أحرم لم يدخل تحت سقف، فنهوا عن ذلك، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏189‏]‏، فبين سبحانه أن هذا ليس ببر، وإن لم يكن حراما، فمن فعله على وجه البر والتقرب إلى الله كان عاصيًا، مذمومًا، مبتدعًا، والبدعة أحب إلى إبليس من المعصية، لأن العاصي يعلم أنه عاص فيتوب، والمبتدع يحسب أن الذي يفعله طاعة فلا يتوب‏.‏
 ولهذا من حضر السماع للعب واللهو لا يعده من صالح عمله، ولا يرجو به الثواب، وأما من فعله على أنه طريق إلى الله تعالى فإنه يتخذه دينًا، وإذا نهى عنه كان كمن نهى عن دينه، ورأى أنه قد انقطع عن الله، وحرم نصيبه من الله تعالى إذا تركه، فهؤلاء ضلال باتفاق علماء المسلمين، ولا يقول أحد من أئمة المسلمين‏:‏ إن اتخاذ هذا دينًا وطريقًا إلى الله تعالى أمر مباح، بل من جعل هذا دينًا وطريقًا إلى الله تعالى فهو ضال، مفتر، مخالف لإجماع المسلمين‏.‏ ومن نظر إلى ظاهر العمل وتكلم عليه، ولم ينظر إلى فعل العامل ونيته كان جاهلا متكلمًا في الدين بلا علم‏.‏
 فالسؤال عن مثل هذا أن يقال‏:‏هل مايفعله هؤلاء طريق وقربة وطاعة لله تعالى يحبها الله ورسوله أم لا ‏؟‏ وهل يثابون على ذلك أم لا ‏؟‏ وإذا لم يكن هذا قربة وطاعة وعبادة لله، ففعلوه على أنه قربة وطاعة وعبادة وطريق إلى الله تعالى ‏.‏ هل يحل لهم هذا الاعتقاد ‏؟‏ وهذا العمل على هذا الوجه ‏؟‏
 وإذا كان السؤال على هذا الوجه لم يكن للعالم المتبع للرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول‏:‏ إن هذا من القرب والطاعات، وأنه من أنواع العبادات، وأنه من سبيل الله تعالى وطريقه الذي يدعو به هؤلاء إليه، ولا أنه مما أمر الله تعالى به عباده‏:‏ لا أمر إيجاب، ولا أمر استحباب، وما لم يكن من الواجبات والمستحبات فليس هو محمودًا، ولا حسنة، و لا طاعة، ولا عبادة، باتفاق المسلمين‏.‏
 فمن فعل ما ليس بواجب ولا مستحب على أنه من جنس الواجب أو المستحب فهو ضال مبتدع، وفعله على هذا الوجه حرام بلا ريب‏.‏ لا سيما كثير من هؤلاء الذين يتخذون هذا السماع المحدث طريقًا يقدمونه على سماع القرآن وجدًا وذوقًا‏.‏ وربما قدموه عليه اعتقادًا، فتجدهم يسمعون القرآن بقلوب لاهية، وألسن لاغية، وحركات مضطربة‏.‏ وأصوات لا تقبل عليه قلوبهم، ولا ترتاح إليه نفوسهم، فإذا سمعوا ‏[‏المكاء‏]‏ و ‏[‏التصدية‏]‏ أصغت القلوب، واتصل المحبوب بالمحب، وخشعت الأصوات، وسكنت الحركات، فلا سعلة، ولا عطاس، ولا لغط، ولا صياح، وإن قرؤوا شيئًا من القرآن، أو سمعوه كان على وجه التكلف والسخرة، كما لا يسمع الإنسان ما لا حاجة له به، ولا فائدة له فيه، حتى إذا ما سمعوا مزمار الشيطان أحبوا ذلك، وأقبلوا عليه، وعكفت أرواحهم عليه‏.‏
 فهؤلاء جند الشيطان، وأعداء الرحمن، وهم يظنون أنهم من أولياء الله المتقين، وحالهم أشبه بحال أعداء الله المنافقين، فإن المؤمن يحب ما أحبه الله تعالى، ويبغض ما أبغض الله تعالى، ويوالي أولياء الله، ويعادي أعداء الله، وهؤلاء يحبون ما أبغض الله، ويبغضون ما أحب الله، ويوالون أعداء الله، ويعادون أولياءه، ولهذا يحصل لهم تنزلات شيطانية بحسب ما فعلوه من مزامير الشيطان، وكلما بعدوا عن الله ورسوله وطريق المؤمنين قربوا من أعداء الله ورسوله، وجند الشيطان‏.‏
 فيهم من يطير في الهواء والشيطان طائر به، ومنهم من يصرع الحاضرين وشياطينه تصرعهم‏.‏ وفيهم من يحضر طعامًا، وإدامًا، ويملأ الإبريق من الهواء والشياطين فعلت ذلك‏.‏ فيحسب الجاهلون أن هذه من كرامات أولياء الله المتقين، وإنما هي من جنس أحوال الكهنة والسحرة وأمثالهم من الشياطين، ومن يميز بين الأحوال الرحمانية والنفسانية والشيطانية لا يشتبه عليه الحق بالباطل‏.‏

وقد بسطنا الكلام على ‏[‏مسألة السماع‏]‏ وذكرنا كلام المشائخ فيه في غير هذا الموضع، وبالله التوفيق والله أعلم‏.‏ وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم‏.


مجموع فتاوى ابن تيمية رحمه الله
http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=117299